الجمعة، 31 مارس 2023

جريمة النصب والاحتيال وفقا للقانون اليمني


جريمة النصب والاحتيال وفقا للقانون اليمني 

ماهية وأركان وشروط جريمة النصب والاحتيال في القانون اليمني والقوانين المقارنة




ماهية وأركان وشروط جريمة النصب والاحتيال في القانون اليمني والقوانين المقارنة


بادئ ذي بدئ لابد أن نعرف جميعاً أنه على الرغم من توسع الفقه القانوني الوضعي لدى بني البشر إلا أننا نجد المحتالون من بني البشر أيضاً لم يجارون تلك التطورات المستبقة في النصوص التشريعية الوضعية ، ونجد أن المحتالون لم يعدموا أية حليةٍ إلا ولجأوا إليها للاستيلاء  على أموال المجني عليهم أو المجني عليه  ، فتارةً تجدهم يستغلون سذاجتهم ، وتارةً أخرى يستغلون طمعهم نحو اقتناء المزيد بما يحقق أحلامهم في زيادة ثرواتهم إلا أن الرياحَ قد لا تأتي لهم بما تشتهيه أنفسهم.

حتى أن المشرع قد تبسط في حمايتهِ القانونية لهؤلاء وأولئك بتجريمه أفعال الاحتيال والنصب ، فلم يفرق بينهما ونجدهُ أيضاً بنفس الوقت  قد بسط حمايتهُ على الذين يقعون ضحيةً للنصب بطمعهم وجشعهم غير أن طمعهم هذا متى ظهر لا ينفي بالضرورة أنهم مجنياً عليهم في هذه الجريمة على الأقل من حيث أنها تشكل عدواناً على حرية إرادتهم وذلك بالحيلولة بينهم وبين التصرف في أموالهم على النحو الذي يبتغونه.

فجريمة النصب هذه وإن كانت تقع بدرجات متفاوتة من سنةٍ لأخرى ، إلا أن الملاحظ هو ازدياد وقوعها ، فقد ساعد على ذلك انتشار الأمية كسبب رئيس من أسباب وقوع البعض فيها ، وانعدام القيم الأخلاقية سواءً لدى الجناة وهم الغالبون أو المجني عليهم وهم القلة الذين قد يسهمون في أن يلحقوا بأنفسهم صفة المجني عليهم.

وجريمة النصب والاحتيال تعد كما هو معروفٌ من جرائم الاعتداء على المال بأي طريقةٍ من طرق الاحتيال ، وقد كانت جريمة النصب قديماً مختلطةً بجريمة السرقة في القانون الروماني والفرنسي القديمين .

ولمعرفة ماهية جريمة النصب والاحتيال وصفتها وكيفية تمييزها عن غيرها من القضايا المشابهة لها ولتحديد أركانها وماهية عناصر تكوينها وشروح المشرعين فيها وما إلى ذلك من الاستفهامات المطلوبة للكشف عن هذا النوع من الجرائم نقول :-

س : كيف يتم التمييز بين جريمة النصب والاحتيال عن جريمة السرقة ؟

ج : كما سبق وقلنا أن جريمة النصب في القوانين والتشريعات كانت تعدُ صورةٌ من صورِ جريمة سلب مال الغير ولكنها مع تطور الفكر التشريعي والقانوني عند بني البشر حيث أصبح لكلٍ جريمة عناصرها وأركانها وشروط صحتها ...الخ.

وعند التمييز بينهما نجد أنهما مختلفتان في مجموعةٍ من العناصر التي تتمثل في الآتي :-

1/ تتوقف جريمة السرقة بوجهِ عام على مجهود الجسماني الذي يبذلهُ الجاني في سبيل الاستيلاء على الشيء المسروق لكن جريمة النصب خلاف ذلك كلياً فهي تقوم على المجهود المعنوي أساساً الذي يبذلهُ الجاني في حمل المجني عليه على تصديقهِ.

2/ تتميز جريمة النصب عن السرقة بفرق واضح جداً وهو نوعُ الوسيلة التي يستخدمها الجاني في الاستيلاء على مال الغير بينما في السرقة نجدُ الجاني ينتزعُ الشيء من حيازة صاحبهِ أو حائزة بدون رضائه لأنه في جريمة النصب يعمد بطبيعة حالها إلى خداع المجني عليه وتضليلهِ بوسائل احتيالية على نحوٍ يخلق لدى المجني عليه اعتقاداً مخالفاً للواقع يدفعهُ بطبيعة الحال إلى تسليم مالهِ للجاني برضائهِ .

لذلك فإنه حتى ولو كانت إرادة المجني عليه إرادةً معيبةً بالسبب الذي أوقع فيه الجاني المجني عليه ، إلا أن هذا التسليم الناقل للحيازةَ يحول دون توافر ركن الاختلاس في السرقة ، على الرغم من أنه صادر عن غش وتدليس .

س : ما هي الصفة التي تكون عليها جريمة النصب والاحتيال ؟

ج : لقد أورد الدكتور أحمد أبو الروس في سلسلتهُ (الموسوعة الجنائية – الكتاب الثاني- جرائم السرقات والنصب وخيانة الأمانة والشيك بدون رصيد – ص 301) حول طبيعة جريمة النصب بقولهِ :-

" من الأمور البديهية أن طبيعة جريمة النصب : اعتبارها جريمة مادية من جرائم السلوك المتعدد والحدث المتعدد لأنها تتضمن سلوكاً نفسي يتمثل في الاحتيال على الغير ، وسلوك مادي يتمثل في التوصيل إلى الاستيلاء على مال الغير إذ ينخدع بذلك الاحتيال ، لذلك فأننا نجد الجاني بسلوكهِ الأول يخاطب ملكة الفكر والخيال والإرادة لدى من يتلقى منهُ هذه المخاطبة بأن يسلم لهُ مالاً نظير مقابل مجزي – وهو ما حصل من الجاني ووقع فيه موكلنا – يتمثل في إيجاد الجاني علاقةً بينهُ وبين مال المجني عليه " .

س : ماهية أركان جريمة النصب  ؟


ج : كذلك أورد الدكتور/ أحمد أبو الروس في كتابهِ الثاني من الموسوعة الجنائية- ص322) ما نصهُ :-

" أركان جريمة النصب تتمثل في نص م(336) من قانون العقوبات المصري التي نصت على أنه يتطلب لقيام جريمة النصب توافر الأركان التالية :-

1/ وقوع فعلٌ مادي يتمثل في فعل الاحتيال.

2/ حدوث نتيجةً تتمثل في الاستيلاء على نقود أو سندات أو أي متاعٍ منقول.

3/ قيام رابطة السببية بين الفعل المادي " الاحتيال والنتيجة وهي الاستيلاء على مال الغير .

4/ توافر القصد الجنائي.


أي أنه إذا ما توافرت هذه الأسباب مجتمعةً فإنه يثبت بها قيام جريمة النصب والاحتيال – يؤكد ذلك ما جاء في على قلم الدكتور/عبد الحميد الشواربي في كتابهِ ( جريمة النصب في ضوء القضاء والفقه- ص23 ، ص27 ، ص34 ) بما أوردهُ من أحكام محكمة النقض المصرية في جرائم النصب بما نصه :-

( لقد عرفت م(336) من قانون العقوبات المصري – جريمة النصب- بأنه يتطلب لتوافرها أن يكون ثمة احتيال واقع من المتهم على المجني عليه بقصد خدعهِ والاستيلاء على مالهِ ، فيقع المجني عليه ضحيةً لهذا الاحتيال الذي يتوافر باستعمال طرق احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو انتحال صفةٍ غير صحيحةِ أو بالتصرف في ملك الغير ممن لا يملك التصرف.

(20/6/1971م أحكام النقض- س22ق118ص481،27/1/1969مس20ق40ص183)

واستطرد في كتابه حتى قال (( أنه يجب لتوافر جريمة النصب أن تكون الطرق الاحتيالية من شأنها تسليم المال الذي أراد الجاني الحصول عليه مما يقتضي أن يكون التسليم لاحقاً لاستعمال الطرق الاحتيالية)).

(23/3/1964م أحكام النقض س15ق42ص206).

س : كيف يتم إثبات القصد الجنائي في جريمة النصب ؟


ج : إن إثبات القصد الجنائي في جريمة النصب والاحتيال لا يكون بطريقة مباشرةً بل بطريقةِ غير مباشرةً وهي جريمة عمدية ، لذا لا يلزم التحدث عن ركن القصد الجنائي بجريمة النصب على استقلال ما دام الحكم قد أورد الوقائع بما يدلُ على أن مراد المتهمين كان ظاهراً ، وهو اقتراف الجريمة بقصد سلب مال المجني عليه وحرمانهِ منهُ.

(13/1/1969م أحكام النقض س20ق14ص69).

كذلك الأمر بالنسبة لما جاء في نصوص القانون اليمني رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات في مادة وحيدةٍ هي م(310) بنصها :-

(( يعاقب بالحبس مدةً لا تزيد على ثلاث سنواتٍ أو بالغرامةِ من توصل بغير حق إلى الحصول على فائدةِ ماديةِ لنفسهِ أو لغيرهِ ، وذلك بالاستعانة بطرقِ احتيالية (نصب) أو اتخذ اسم كاذب أو صفةٍ غير صحيحة )).

وهو ما نريد هنا توضيحهٌ من خلال ما سبق إيراده للوصول لأمرٍ هام ومعروفٍ بنفس الوقت ينم عن قصور واضح في التشريعات العربية وربما الوضعية جمعا من أن النصوص القانونية لم تُعرّف تعريفاً دقيقاً لجريمة النصب أو بمعنى أصح لم تحتويها بشكل اكثر تفصيلاً ، بدليل أن قانون العقوبات اليمني مثلاً لم يخصص في نصوص مواده لبالغة (325) مادة ، إلا مادةً وحيدةً ، لجريمة جنائية تتعدد فيها الوصوف القانونية والطرق الاحتيالية المتعددة والمتجددة بتجدد وتطور الفكر الإجرامي الإنساني المتماشي بطبيعة الحال مع كل هذه التطورات والتغيرات التي تسبب العقل البشري في وجودها لخدمة بني الإنسان واستغلت بنفس الوقت لمحاربة بني الإنسان وأغفلت من قبل المشرعين لما يظهر فيها من أساليب قد لا يستطيع المشرع حصرها بقدر ما يستطيع المحاولة لاحتوائها ، ومع ذلك نرى إنصافاً أن القانون أراد أن يحدد مدلولها بان حدد لها أغراضاً معينةً .لأن القاعدة العامة في كل وسائل النصب أن الجريمة لا تتوافر إلا إذا ثبت أن الجاني قد كذب ، وفي الطرق الاحتيالية القاعدة العامة أن الكذب وحدهُ لا يكفي لتكوينها وبضرورة الكذب فقامة شرك للمجني عليه لإيقاعهِ في غلط يحملهُ على تسليم المال ، أي لا بد أن يبني على الكذب لأنه لو لم يكن هناك كذب فلا محل للقول بوجود النصب ، أضف لمسألة الكتمان المتعمد ، لأن مجرد الكذب لا يكفي لتكوين الطرق الاحتيالية في معنى النصب ، كذلك مجرد الكتمان لا يكفي لتكوين جريمة النصب قياساً من باب أولى لأن الكذب فعلٌ إيجابي والكتمان فعلٌ سلبي حقيقةً أقل درجةً وأقل كفاية.

لذلك فقد أورد الدكتور / عبد الحميد المنشاوي في كتابه (جرائم النصب والاحتيال في ضوء القضاء والفقه- ص45) ما نصه :-

من المقرر أن مجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة مهما بلغ قائلها في توكيد صحتها لا تكفي وحدها لتكوين الطرق الاحتيالية بل يجب لتحقق هذه الطرق في جريمة النصب أن يكون الكذب مصحوباً بأعمال ماديةً أو مظاهر خارجيةً تحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحتهِ .

(11/12/1978م أحكام النقض س29ق191ص927).

كذلك الأمر عندما يستعين شخص بأخر أو بآخرين على تأييد أقوالهِ وادعاءاتهِ المكذوبة للاستيلاء على مال الغير يرقع كذبهُ إلى مصاف الطرق الاحتيالية الواجب تحققها في جريمة النصب ، مع ضرورة أن يكون كذب الجاني مصحوباً بأعمال ماديةٍِ خارجية تحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحتهِ.

وأخيراً أرجو من المولى أن نكون قد وفقت فيما أوردناه من أراء وأقوال لبعضِ من المشرعين القانونيين واستكملناهُ بالصورة التي خرجنا بها فيما يتعلق بالنصوص القانونية لجريمة النصب والاحتيال

امتناع المحكم عن إيداع حكم التحكيم

امتناع المحكم عن إيداع حكم التحكيم 


إمتناع المحكم عن إيداع حكم التحكيم وأثره على دعوى البطلان)



إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم أمام المحكمة المختصة أحد الواجبات الإجرائية المقررة بنص المادة (50) من قانون التحكيم التي قضت بأنه
[على لجنة التحكيم إيداع أصل الحكم والقرارات التي يصدرها في موضوع النزاع مع اتفاق التحكيم قلم كتاب المحكمة المختصة خلال الثلاثين يوماً...].
ومع أن الملزم قانوناً بالإيداع هو المحكم باعتباره مُصْدِر الحكم إلا أن المحكمين ليسوا على درجة واحدة من الالتزام بهذا الواجب الإجرائي فهناك العديد من المحكمين يرفضون إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم على الرغم من إعلانهم رسمياً بالإيداع من محاكم الاستئناف ولأكثر من مرة، فكيف يتم التعامل مع امتناع المحكم عن الإيداع في الواقع العملي؟ وما هي الإجراءات المقررة قانوناً لمواجهة هذا الامتناع؟ وذلك ما أتشرف بعرضه ومناقشته في هذه الأسطر القليلة من جانبين:-
الجانب الأول/ الإجراءات المتعلقة في الواقع العملي:
فمن خلال مزاولة مهنة المحاماة تمكنت من رصد بعض الإجراءات التي تتبعها بعض محاكم الاستئناف لمواجهة حالات الامتناع عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم حينما يكون ذلك الإجراء متزامناً مع دعوى بطلان الحكم مقدمة من المحكوم عليه بناءً على صورة الحكم التي سُلمت إليه من المحكم فور صدوره وقبل أن يتم إيداع نسخته الأصلية أمام محكمة الاستئناف.
وأبرز الإجراءات التي وقفت عليها ما يلي:-
1) الإجراءات المتبعة عند رفع دعوى البطلان وتقديم عريضتها أمام محكمة الاستئناف.
والفرضية هنا أن الطرف المحكوم عليه قد استلم صورة من حكم التحكيم قبل ان يقوم المحكم بإيداع النسخة الأصلية لدى محكمة الاستئناف، ففي هذه الحالة يحتسب الميعاد المقرر قانوناً لتقديم دعوى البطلان من تاريخ استلام صورة الحكم وتحاشياً لفوات المدة يبادر المحكوم عليه الى تقديم دعوى البطلان أمام المحكمة بموجب الصورة التي استلمها غير أن محكمة الاستئناف وبدلاً من استكمال إجراءات إيداع دعوى البطلان بالقيد والترسيم والإعلان وفقاً للقانون تقوم بمخاطبة المحكمة وإعلانه بإيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم وتوقف إجراءات تقديم الدعوى إلى حين إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم ومتى قام المحكم بالإيداع قبل انقضاء ميعاد تقديم دعوى البطلان فلا توجد هناك أي إشكالية، إنما المشكلة الحقيقية في امتناع المحكم عن الإيداع أو قيامه بالإيداع بعد فوات ميعاد تقديم دعوى البطلان وفي هذه الحالة سيكون حق المدعي في تقديمها معرضاً لجزاء السقوط ولن تجد محكمة الاستئناف ما يبرر عدولها عن ايقاع هذا الجزاء باعتبار أن القانون وان كان قد أوجب على المحكم إيداع النسخة الأصلية لتحكيم إلا أنه لم يجعل الإيداع شرطاً مسبقاً لتقديم دعوى البطلان ولا أحد الإجراءات الموقفة لميعاد تقديمها وبالتالي ستكون الإجراءات المتخذة مخالفة لإرادة المشرع وتجاوزاً لحدود الإجراءات الشكلية التي رسمها القانون مقرونة بمواعيد محددة منه سلفاً بنصوص قانونية آمره لا يملك القاضي مخالفتها أو الاجتهاد بما يخالفها وإلا عُد ذلك تجاوزاً لحدود الولاية القضائية المقيدة ولايته بالقوانين النافذة ولزوم تطبيق أحكامها طبقاً للمبدأ المنصوص عليه بالمادة (8) من قانون المرافعات.
وبناءً عليه فليس للقاضي أن يحدد أشكالاً للأعمال الاجرائية او يعطي مواعيد أو يعدى منها الا إذا كان القانون قد أعطاه صراحة هذه السلطة ، فالأعمال الإجرائية في تصميمها وتنظيم سيرها وترتيب آثارها هي من خلق المشرع وحده وعمله هذا عمل استئثاري وانفرادي قاصر عليه ويستقل به دون أن يشرك معه غيره او يترك تحديد الإجراءات وسيرها لإرادة القاضي أو الخصوم.
أ,د/أيمن أحمد رمضان: الجزاء الإجرائي في قانون المرافعات، ط2005م صـ(145).
2) الإجراءات المتبعة أثناء نظر دعوى البطلان وعند الفصل فيها:-
والفرضية هنا أن دعوى البطلان قد رفعت أمام محكمة الاستئناف وتم استكمال اجراءات قيدها وسداد رسومها وكذا إعلانها للمدعى عليه وتم ذلك بموجب صورة من حكم التحكيم وقبل ان يودع للمحكمة النسخة الأصلية للحكم فتبقى هذه الإشكالية قائمة وتنعكس آثارها سلباً على دعوى البطلان وعلى نتيجة الحكم الفاصل فيها ويكفي الإشارة الى حكمين قضائيين صادرين من محكمتي استئناف مختلفتين فصلت كل منهما في دعوى البطلان المنظورة أمامها بحكمين مختلفين قضى منطوق الأول بعدم قبول دعوى البطلان شكلاً لعدم إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم فيما قضى منطوق الحكم الاستئنافي الآخر برفض دعوى البطلان لعدم وجود المحل وهو أصل حكم التحكيم والإشارة إلى القضاء المقرر في الحكمين السابقين لبيان الاجتهادات القضائية في مسألة الإجراء المتعلق بالإيداع أما تقييم تلك الاجتهادات وبيان أوجه مخالفتها للقانون فلا يتسع المقام لعرضها جميعاً مع التأكيد على حقيقة أن الإيداع ما هو إلا واجب إجرائي مفروض قانوناً على عاتق المحكم فإن امتنع عن القيام بهذا الواجب القانوني لزم معاقبته هو بالجزاء المقرر قانوناً لا أن يؤاخذ غيره، فالقاعدة الشرعية تقضي بأن لا يؤخذ المرء بجريرة أخيه والتقرير بعدم قبول دعوى البطلان او رفضها يعتبر جزاء إجرائي تم ايقاعه في حق مدعي البطلان بسبب إخلال غيره وهو المحكم بواجب إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم مع أن الجزاء الإجرائي ما شرع إلا لمعاقبة الشخص الذي ارتكب المخالفة أو المخل بواجب إجرائي مفروض عليه وفي هذا المعنى يقول الأستاذ الدكتور/ أحمد أبو الوفاء في كتابه: نظرية الدفوع في قانون المرافعات ط2007م صـ(75) بما لفظه حرفياً:
[من القواعد العامة في الجزاء: أن يتم إيقاع الجزاء على ذات الخصم الذي تسبب في المخالفة وهذه القاعدة يوجبها البداهة وتقتضيها العدالة لأن المفروض أن خصماً قد أخطأ فيما رسمه له المشرع من قواعد وأنه لهذا يوقع عليه الجزاء ].
                      ــــ وبذلك ـــ
فإن الاجتهادات القضائية المستخلصة من الواقع العملي في الإجراء المتعلق بإيداع حكم التحكيم تتعارض مع الأحكام والقواعد القانونية المنظمة للجزاء.
الجانب الثاني/ الإجراءات المقررة قانوناً لمواجهة امتناع المحكم عن القيام بواجب الإيداع:
لما كان الإيداع أحد الواجبات الإجرائية المفروضة قانوناً على عاتق المحكم وكان قانون التحكيم قد نص على وجوب إيداع نسخة حكم التحكيم والقي بهذا الواجب على عاتق المحكم بصريح نص المادة (50) من قانون التحكيم فإنه في المقابل لم يحدد الإجراءات المتبعة لمواجهة امتناع المحكم عن الإيداع ولا الآثار القانونية المترتبة على الامتناع ولئن كان السكوت عن تنظيم تلك المسائل وعدم التعرض لها عيباً تشريعياً في قانون التحكيم كما قد يتبادر إلى ذهن البعض فالاحتمال الأقرب للحقيقة أن قانون التحكيم لم يسكت عن تنظيم تلك المسائل إلا لوجود قواعد عامة منصوص عليها في قوانين أخرى  مكتفياً بتطبيقها دون حاجة إلى إعادة تكرارها بنصوص قانونية تتناول ذات الإجراءات والآثار المقررة في تلك القواعد العامة وبإعمال تلك القواعد العامة وتطبيقه على واقعة امتناع المحكم عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم تكون الإجراءات والحلول القانونية، والتي يتعين على محاكم الاستئناف اتباعها لمواجهة هذه الاشكالية محددة في نقطتين رئيسيتين :-
النقطة الأولى: عدم الاعتداد بالنسخة الأصلية لحكم التحكيم عند نظر دعوى البطلان:
فحينما يتقدم المحكوم عليه بدعوى بطلان حكم التحكيم بناءً على صورة الحكم التي استلمها فإن على محكمة الاستئناف مباشرة الاجراءات المقررة قانوناً لتقديم الدعوى وأن لا تجعل استكمال الإجراءات موقوفاً على الإجراءات المتعلقة بإيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم للإعتبارات القانونية التالية :
الإعتبار الأول/ التعامل مع صورة حكم التحكيم وفقاً لقاعدة الأصل الظاهر :
فالقانون لم يوجب على المحكم إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم إلا أنه قد إكتفى قبل ذلك بإبلاغ وتسليم أطراف التحكيم صورة من الحكم وفقاً لما قررته المادة (48) من قانون التحكيم بصيغتها المعدلة بالقانون رقم (22) لسنة 1997م الجاري نصها بالآتي:
[... وعلى لجنة التحكيم أن تقوم بارسال صورة من الحكم موقعة من المحكمين الى أطراف التحكيم].
ولما كانت الكتابة شرطاً أساسياً لإثبات حكم التحكيم فإن الأصل خضوع صورة الحكم لذات المبادئ القانونية المقررة للإثبات بالكتابة وفي مقدمتها المبدأ القانوني الذي يقرر أن الأصل في صورة المحرر مطابقتها للنسخة الأصلية ما لم ينازع الخصم في ذلك وحينما تقدم صورة المحرر من أحد طرفي الخصومة فليس للقاضي أن يأمر – من تلقاء نفسه – بإحضار أصل المحرر للمطابقة إلا إذا نازع الخصم الآخر في هذه المسألة وتمسك بإحضار أصل المحرر لمطابقته على الصورة المقدمة من خصمه وذلك المبدأ مقرراً بالمادة (101) من قانون الإثبات الشرعي الجاري نصها بالآتي:
[...وتعتبر الصورة الرسمية مطابقة للأصل ما لم ينازع في ذلك أحد الطرفين وفي هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل...].
وذلك المبدأ واجب التطبيق على حكم التحكيم باعتبار محرر كتابياً يخضع لذات الأحكام والقواعد المنظمة للأدلة الكتابية وحينما يعلن المحكوم عليه بصورة من حكم التحكيم ويبادر إلى استعمال حقه في دعوى البطلان برفعها أمام محكمة الاستئناف فان على هذه المحكمة استلام الدعوى وإستكمال إجراءات تقديمها وفقاً للقانون دون الاعتداد بما إذا كانت النسخة الأصلية لحكم التحكيم مودعه من قبل المحكمة أم لم تودع، فالإجراء المتعلق بالإيداع كواجب إجرائي ليس مقرراً على عاتق المدعي حتى يجبر مسبقاً على تقديم الأصل بل مفروضاً على عاتق شخص آخر هو المحكم.
كما أن القانون لم يوجب على المدعي تقديم النسخة الأصلية لحكم التحكيم كشرط للإدعاء ببطلانه وليس من العدالة ولا مقتضيات حسن سيرها أن نجعل حق المدعي في استعمال حق الدعوى موقوفاً على إرادة شخص آخر غير المدعي إذ يُعد ذلك التعليق أمراً محظوراً على المشرع وتقييداً لسلطته في سن التشريعات والقوانين وهو أمر محظور على المحاكم من باب أولى باعتبارها معنية بتطبيق القوانين ومقيدة بأحكامها وليس لها أن تجعل استعمال حق التقاضي مقيداً بإرادة شخص آخر.
الاعتبار الثاني: أن إمتناع المحكم عن الإيداع يعتبر عيباً في الإجراءات وسبباً لإبطال حكم التحكيم.
فالأصل المقرر قانوناً أن البطلان الذي يلحق بإجراءات التحكيم أحد الأسباب القانونية الموجبة لرفع دعوى بطلان أحكام التحكيم طبقاً لما نصت عليه المادة (53/ج) من قانون التحكيم.
ولما كان الإيداع المقرر بنص المادة (50) تحكيم أحد الإجراءات المتعلقة بصدور حكم التحكيم فإن القانون قد أعتبر الإيداع من إجراءات التحكيم بدليل أن قانون التحكيم بعد أن قرر واجب الإيداع في المادة (50) قد نص في المادة التي تليها على امتداد إجراءات التحكيم لتشمل الإجراءات المتعلقة بصدور الحكم حيث نصت المادة (51) من قانون التحكيم على أنه:
[تنتهي اجراءات التحكيم بعد صدور حكم التحكيم....].
وبالتالي فإن امتناع المحكم عن الإيداع يُعتبر عيب في إجراءات التحكيم يصلح الإستناد إليه كأحد الأسباب القانونية لدعوى البطلان وذلك ما يستوجب على محكمة الاستئناف إستكمال الإجراءات المقررة قانوناً لرفع دعوى البطلان ولها أن تقضي ببطلان حكم التحكيم لبطلان الإجراءات المتعلقة بعدم إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم متى تم التمسك بهذا السبب من قبل مدعي البطلان ضمن أسباب دعواه، فذلك هو الجزاء المقرر قانوناً على عدم الإيداع والذي يفترض على محكمة الاستئناف التقيد به عند تحقق شروطه أما الإمتناع عن إستلام دعوى البطلان بحجة عدم إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم فليس من القانون في شيء.
النقطة الثانية: إدخال المحكم أثناء السير في دعوى البطلان لتقديم محرر تحت يده:
فإمتناع المحكم عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم ليس مبرراً لإعاقة دعوى البطلان وتعطيل الحق في إستعمالها إبتداءً بل يتعين على محكمة الاستئناف إتباع الإجراءات والقواعد المقررة قانوناً لإجبار الخصم أو الغير بتقديم محرر تحت يده بأن تأمر بإدخال المحكم أثناء السير في نظر دعوى البطلان لإلزامه بتقديم النسخة الأصلية لحكم التحكيم وفقاً لوسائل الإجبار المقررة في قانون الإثبات الشرعي وهي السلطة الممنوحة للمحكمة عامة ولمحكمة الاستئناف على وجه الخصوص بصريح نص المادة (119) من قانون الإثبات الشرعي التي تقضي بأنه:
[يجوز للمحكمة أثناء سير الدعوى ولو أمام محكمة الاستئناف أن تأذن في إدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر تحت يده مع مراعاة الأحوال الأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد السابقة].
وذلك ما يسري على المحكم في حال امتناعه عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم إذ يتعين على محكمة الاستئناف إدخال المحكمة وإجباره على تقديم أصل الحكم وسلطتها في ذلك ليست مطلقة بل مقيده بما حدده القانوني سالفاً الذكر من شروط وضوابط قانونية أبرزها :-
1- أن يصدر الإذن بالإدخال أثناء نظر دعوى البطلان:
فمحكمة الاستئناف لا تملك مباشرة الإجراءات الجبرية لاستحضار النسخة الأصلية إبتداءً وبمجرد تقديم دعوى البطلان وإنما يتعين عليها مباشرة تلك الإجراءات أثناء نظرها لدعوى البطلان وعند السير في تحقيقها لأن القانون قيد سلطة المحكمة في مباشرة تلك الإجراءات بالتوقيت الزمني المعبر عنه في النص القانوني بلفظ ((أثناء سير الدعوى)) وذلك يقتضي وجود دعوى بطلان مرفوعة ومقدمة أمام محكمة الاستئناف بعد أن تم إستكمال إجراءات تقديمها وانعقاد الخصومة فيها باعلانها للمدعى عليه وبموعد الجلسة المحددة لنظر الدعوى وأثناء سير الدعوى تستطيع المحكمة مباشرة الإجراءات الجبرية لإستحضار أصل حكم التحكيم بإدخال المحكمة والزامه بذلك.
2- أن يكون الإذن بالإدخال مسبوقاً بطلب مقدم من الخصم صاحب المصلحة:
فالقانون لم يعتبر وجود النسخة الأصلية لحكم التحكيم شرطاً لقبول دعوى البطلان ولا من إجراءات رفع الدعوى وتقديمها أمام المحكمة كما أنه لم ينص على إدراج هذه المسألة ضمن المسائل المتعلقة  بالنظام العام وبالتالي فإن إدخال المحكمة لإلزامه بتقديم أصل الحكم مقرراً لمصلحة الخصوم وليس للمصلحة العامة فلا تمتلك المحكمة إدخال المحكم في الخصومة والتصدي لهذه المسألة من تلقاء نفسها، فسلطة المحكمة مقصورة على الإذن بالإدخال متى كان الطرف المحكوم له قد تقدم أمامها بطلب الإدخال وليس أدل على ذلك من أن النص القانوني للمادة (119) سالفة الذكر قد أوجب على المحكمة عند الإذن بإدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر تحت يده مراعاة الأحوال والأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد التي تسبق نص المادة (119) من قانون الإثبات ومراعاة تلك النصوص القانونية يحتم على محكمة الاستئناف التعامل مع المحكم لإلزامه بتقديم أصل حكم التحكيم بذات الكيفية المقررة قانوناً لإلزام الخصم بتقديم محرر تحت يده وعلى وجه الخصوص ما يلي :
أولاً: أن يقدم الخصم التمسك بالحكم طلباً بإلزام المحكمة تقديم أصل الحكم وأن يكون الطلب مشمولاً بالبيانات التي أوجبها القانون صراحة بالمادتين (112، 113) من قانون الإثبات الشرعي فإن لم يقدم ذلك الطلب من حيث الأصل فلا تملك المحكمة التصدي بإدخال المحكم من تلقاء نفسها وان كان الطلب مقدماً من الخصم دون ان يتوافر فيه الشروط والضوابط المنصوص عليها بالمادتين سالفتي الذكر كان على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الطلب طبقاً للجزاء المقرر بالمادة (114) من قانون الاثبات ونصها :
[لا يقبل الطلب إذا لم تراع فيه أحكام المادتين].
ثانياً: التعامل مع المحكم في حال ادخاله بذات الكيفية المقررة قانوناً لإلزام الخصم بتقديم محرر تحت يده.
فالإجراءات المقررة قانوناً لإلزام الخصم بتقديم محرر تحت يده بينتها المادة (117) من قانون الإثبات بصيغتها المعدلة بالقانون رقم (20) لسنة 1996م الجاري نصها بالآتي:
[إذا لم يقم الخصم بتقديم المحرر في الموعد الذي حددته المحكمة او امتنع عن حلف اليمين المذكورة اعتبرت صورة المحرر التي قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها فان لم يكن قد قدم صورة من المحرر فيحبس المدعى عليه حتى يسلم المستند أو يحلف اليمين].
ولما كانت تلك الإجراءات واجبة التطبيق على المحكم باعتباره من الإجراءات القانونية لحسم النزاع مع المحكم ومواجهة امتناعه عن الإيداع لا تخرج عن فرضين :
الفرض الأول: أن يمتنع المحكم عن الإيداع مع وجود صورة من حكم التحكيم مقدمة للمحكمة من أحد الخصوم وفي هذه الحالة تقرر المحكمة اعتبار صورة الحكم مطابقة لأصلها وتسير في دعوى البطلان على أساس ذلك.
الفرض الثاني: أن يكون امتناع المحكم عن تقديم أصل حكم التحكيم وعن حلف اليمين المطلوبة مقروناً بعدم وجود صورة من حكم التحكيم مقدمة للمحكمة من أحد الخصوم ففي هذه الحالة تأمر المحكمة بحبس المحكم حتى يسلم أصل الحكم أو يحلف اليمين الشرعية المقررة قانوناً.
                      ــــ وبذلك ـــ
تكون الوسيلة القانونية لمواجهة امتناع المحكم عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم محددة بوسيلة إدخاله في خصومة دعوى البطلان لإلزامه بتقديم مستند تحت يده وفقاً لذات الإجراءات والقواعد المقررة لإلزام الخصم بتقديم مستند تحت يده المنصوص عليها في قانون الإثبات الشرعي.
               والله من رواء القصد،،،
                       

جريمة الاعتداء على ملك الغير وفقا للقانون اليمني

جريمة  الاعتداء  على  ملك  الغير  وفقا للقانون  اليمني




عنوان   البحث ((جريمة الاعتداء على ملك الغير                                   تعريف الاعتداء


الاعتداء لغة: من العدو ، بمعنى الظلم ومجاوزة الحد و الحق ، يقال: اعتدى عليه إذا ظلمه. واعتدى على حقه، أي جاوز إليه بغير حقّ.

الاعتداء في الاصطلاح

لا يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي، حيث يستعمله الفقهاء بمعنى مجاوزة الحد المأذون فيه شرعاً، كمجاوز الحلال إلى الحرام، أو مجاوزة مقتضى العقد مثل عقد الاجازة او الاستعارة أو غيرهما. 

معنى ملك الغير

هي ما يمتلكه الأشخاص الاخرين باي نوع من أنواع الملك او الحيازة.

معنى التعدي على ملك الغير

هو قيام شخص(المتهم) بالاعتداء او الاستيلاء على ممتلكات الاخرين حتى وان كان بدون استخدام القوة .

الاعتداء على ملك الغير في القانون اليمني


 النصوص القانونية

نصت المادة (1103) بان " الثبوت ( الحيازة ) هو استيلاء الشخص على الشيء ووضع يده عليه منقولاً كان أو عقاراً وهو نوعان:

 فالأول: حيازة ملك ثبوت يتصرف بها الحائز في الشيء الذي يحوزه بأي نوعٍ من أنواع التصرفات ظاهراً عليه بمظهر المالك وأن لم يبين سبب ملكيته له فتكون يده مهما أستمرت حيازة ملك ثبوت على الشيء........."
وحيث نصت المادة (1111) مدني "على أنه من كان حائزاً لشيء أو حق اعتبر مالكاً له ما لم يقم الدليل على غير ذلك".
وكذا نصت المادة (1117) مدني على "ليس لمدعي الملك أن ينزع يد الثابت على الشيء بدون رضاه إلا بحكم قضائي وللمدعي أن يلجأ إلى القضاء ...".
وهذه المادة تقابل م (1284) مدني قديم التي جاء في المذكرة الإيضاحية لها ما يلي "تنص على قاعدة عامة هي أنه ليس لمدعي الملك أن ينزع يد الثابت عما هو ثابت عليه بغير رضاه, أي بالإكراه أو بالحيلة دون لجوء إلى القضاء في ذلك بل يتعين عليه أن يلجأ للقضاء ويطلب منه الحكم به بما يدعيه ويقيم الدليل الشرعي على صحة دعواه " وكذا نصت مادة (1) إثبات على "الدعوى هي طرق المدعي إلى القضاء للحصول على الحق الذي يدعيه قبل المدعى عليه والإثبات: إقامة الدليل بالطرق القانونية لإثبات الحق المتنازع عليه أو نفيه". وكذا المادة (3) إثبات نصت على: "المدعي هو من معه أخفى الأمرين، وهو من يدعي خلاف الظاهر والمدعى عليه هومن معه أظهر الأمرين".

فيحمي القانون الحيازة في ذاتها ولو كان الحائز غير مالك ويرجع ذلك إلى سببين :
السبب الأول : أن الحائز هو الذي يسيطر على سيطرة فعلية على المال الذي يقع في حيازته، فيجب الاعتبارات تتعلق بالأمن العام أن تبقى له هذه السيطرة فلا يتعدى احد عليها ولو كان هو المالك للمال . وعلى المالك أن يلجأ إلى الطرق التي رسمها له القانون لاسترداد ماله من الحائز، فالقانون يحمي الحيازة كما يحمي الملكية وقد جعل لحماية كلاً من الحيازة والملكية طرقها الخاصة بنفسه ولا يجوز للمالك أن ينتزع ماله من الحائز عنوة وقهراً، فينتصف لنفسه بنفسه ويعكر صفو السلام والأمن العام، بل يجب عليه إذا لم يرد الحائز إليه ماله طوعاً، أن يسترده عن طريق القضاء وفقاً للإجراءات التي رسمها القانون وهو ما قررته المادة (1117) مدني يمني .
السبب الثاني :أن الحائز للمال في الكثرة الغالبة من الأحوال يكون هو المالك له وأول مزايا الملك أن يحوز المالك المال الذي يملكه وقل أن يوجد مالك لا يجوز بنفسه أو بوساطة غيره، لذلك يفرض القانون مبدئياً أن الحائز هو المالك فيحمي الملكية عن طريق حماية الحيازة، ومن أجل ذلك كانت الحيازة قرينه على الملكية ولكنها قرينة قابلة لإثبات العكس وهو ما قررته ( م 111) يمني، ففي الأحوال القليلة التي لا يحوز فيها المالك ماله بنفسه أو بوساطة غيره، وتكون الملكية في يد والحيازة في يد أخرى، وأباح القانون للمالك، بعد أن يقيم الدليل على ملكيته، أن ينتزع ماله من يد الحائز بالطرق المرسومة لذلك، فحماية الحيازة في ذاتها إنما هي حماية للملكية، ولكنها حماية مؤقتة إلا أن يقوم الدليل على أن الحائز لا يملك المال الذي في حيازته، فعندئذ يرد المال إلى مالكه

و نص قانون الإجراءات الجزائية بنص المادة (27)ﻻ ﻴﺠﻭﺯ ﻟﻠﻨﻴﺎﺒﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺩﻋﻭﻯ ﺍﻟﺠﺯﺍﺌﻴﺔ ﺃﻤﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤـﺔ ﺇﻻ ﺒﻨـﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺸﻜﻭﻯ ﺍﻟﻤﺠﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭ ﻤﻥ ﻴﻘﻭﻡ ﻤﻘﺎﻤﻪ ﻗﺎﻨﻭﻨﹰﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺤﻭﺍل

الفقره 4 - ﻓﻲ ﺠﺭﺍﺌﻡ ﺍﻟﺘﺨﺭﻴﺏ ﻭﺍﻟﺘﻌﻴﻴﺏ ﻭﺇﺘﻼﻑ ﺍﻷﻤﻭﺍل ﺍﻟﺨﺎﺼﺔ ﻭﻗﺘل ﺍﻟﺤﻴﻭﺍﻨﺎﺕ ﺒﺩﻭﻥ ﻤﻘﺘﻀﻰ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺭﻴﻕ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﻌﻤـﺩﻱ ﻭﺍﻨﺘﻬـﺎﻙ ﺤﺭﻤﺔ ﻤﺎﻟﻙ ﺍﻟﻐﻴﺭ ﻭﻜﺫﻟﻙ ﻓﻲ الاحوال ﺍﻷﺨﺭﻯ ﺍﻟﺘـﻲ ﻴـﻨﺹ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ.



وجاء قانون العقوبات اليمني بالنص بالمواد التالية بالآتي:  

المــادة(321): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بالغرامة من هدم او خرب او اعدم او اتلف عقارا او منقولا او نباتا غير مملوك له او جعله غير صالح للاستعمال او اضر به او عطله بأية كيفيه وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات اذا اقترفت الجريمة بالقوة او التهديد او ارتكبها عدد من الاشخاص او وقعت في وقت هياج او فتنه او كارثه او نشا عنها تعطيل مرفق عام او اعمال مصلحة ذات منفعة عامة او ترتب عليه جعل حياة الناس او امنهم او صحته عرضه للخطر واذا ترتب على الجريمة موت شخص تكون العقوبة الاعدام حدا ولا يخل ذلك بحق ولي الدم في الدية او الارش بحسب الاحوال .
المــادة(322): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او الغرامة البائع اذا اعاد بيع عقار سبق له بيع عقار سبق له بيعه او باع اكثر من الحصة او القدر المملوك له وينطبق ذلك على الولي او الوصي او النائب او الوكيل ويجوز رفع العقوبة الى الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات اذا تسبب الفاعل بعمله في احداث جريمة جسيمة بين المتنازعين على العقار .
ويعاقب بذات العقوبة الراهن اذا تصرف في العقار المرهون باي تصرف من شانه الاضرار بحقوق المرتهن .
المــادة(323): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بالغرامة من اتلف او نقل او ازال اي محيط او علامة معدة لضبط المساحات او لتسوية الاراضي او لتعيين الحدود او للفصل بين الاملاك وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين اذا ارتكبت الجريمة باستعمال العنف على الاشخاص او بقصد اغتصاب ارض مملوكة للغير او كانت العلامات موضوعة من قبل المصلحة المختصة .


حيث تناولت التشريعات اللاتينية جرائم الأموال على اعتبار أنها اعتداء على الحقوق المالية سواء كانت عينية أو شخصية أو معنوية، وتحظى الحقوق العينية وبوجه خاص حق الملكية في الجانب الأكبر من حماية المشرع الجنائي، فكان السائد في التشريعات ذات المصدر التاريخي للقانون اليمني هو استخدام عنوان ( جرائم الاعتداء على الملكية ) وقد جاء في المذكرة التفسيرية لتقنين قانون العقوبات الإيطالي ( أن كلمة "الملكية " يجب أن تفهم على أساس معناها الواسع بحيث تتضمن كلاً من حق الملكية وكذلك حيازة كل حق عيني أو شخصي )، ثم اتجهت التشريعات إلى استخدام اصطلاح(جرائم الاعتداء على الذمة المالية)
وتشترك جرائم الاعتداء على الأموال في أمرين الأول : أن يكون محل الاعتداء عليه ثابتاً لغير المدعى عليه والثاني : عدم رضا صاحب الحق . (
لذلك فإن تسمية جريمة اغتصاب العقار باصطلاح جريمة الاعتداء على الملكية في الواقع العملي اليمني يعد خلافاً لما هو سائد في الفقه الجنائي، فجرائم الاعتداء على الملكية تدخل ضمنها عدة جرائم منها السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة واغتصاب العقار والإضرار بالمال وغيرها .
كما إن اصطلاح الأشياء المملوكة للغير والتي تستخدم كثيراً في التشريعات والتي تعطي فكرة سلبية قوامها الشك في أنه يجب على صاحب الشيء أن يقدم الدليل على أنه صاحبه أو مالكه، بينما ترمي هذه التشريعات عادة إلى التعبير عن أن الجاني لم يكن مالكاً لمحل الجريمة، لذلك نجد بعض الفقهاء يتطلب استخدام صياغة ( الشيء الذي لم يملكه الجاني)
ويلاحظ أن المشرع اليمني قد استخدم هذه الصياغة في عدد من الجرائم منها السرقة، وخيانة الأمانة وانتهاك حرمة ملك الغير والإضرار بالمال .
كما أن تقسيم جرائم الأموال يختلف بحسب المعيار المتبع، فتقسم جرائم الأموال إلى جرائم استيلاء وجرائم إتلاف ذلك أن هذه الجرائم تختلف باختلاف الغاية التي حركت حوافز العدوان لدى الجاني فهي إما أن تقع بدافع الطمع والانتقام، وتضم جرائم الاستيلاء السرقة والنصب وخيانة الأمانة وغيرها، أما جرائم الإتلاف فهي الحريق وتسميم المواشي والتخريب والتعييب .
كما تقسم جرائم الأموال إلى جرائم لا تقع إلا على منقول كالسرقة والنصب وخيانة الأمانة وجرائم لا تقع إلا على عقار مثل جرائم منع الحيازة بالقوة وإزالة الحدود أو نقلها، وجرائم قد تقع على عقار أو على منقول مثل : الحريق والتخريب والتعييب والإتلاف.(
وهناك تقسيم آخر شائع لجرائم الاعتداء على الأموال باعتبارها اعتداء على الملكية فيرى أستاذ القانون الجنائي د. محمود نجيب حسني بأن التأصيل العلمي لجرائم الاعتداء على الملكية هو ما يستند إلى التمييز بين جرائم الإثراء وجرائم الإضرار، وضابط هذا التقسيم ذو شقين :- شق مادي متعلق بتأثير الفعل الجرمي على ذِمَتَيْ المجرم والمجني عليه وما إذا كان ينطوي على إثراء المجرم أم يقتصر فحسب على الإضرار بالمجني عليه والشق المعنوي لهذا الضابط متعلق بنية المجرم وقت اقترافه جريمته وما إذا كانت قد اتجهت إلى إثرائه أي اتجهت إلى (تملك) مال يملكه غيره أم اتجهت فحسب إلى الأضرار بالمجني عليه بحرمانه من ماله أو إنقاص قيمته دون أن يقابل ذلك ازدياد في الأموال التي يحوزها المجرم، فالفعل الجرمي يختلف فيها إذ يحرص المجرم في جرائم الإثراء على المحافظة على كيان الشيء وقيمته كي يتحقق له بذلك الإثراء الذي يريده ومن ثم يتميز الفعل بخصائص معينة تكفل له أن يكون غير مضر بالشيء وخصائص أخرى هل تكفل له أن يكون من شأنه ضم ذلك الشيء إلى حيازة المجرم فيدخل فيها جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة وغيرها .... وعلى الخلاف من ذلك فان الفعل الجرمي في جرائم الإضرار هو بطبيعته إتلاف أو تشويه للشيء أو إنقاص من قيمته فيدخل فيها جرائم الهدم والتخريب والتعدي على المزروعات. كما انه يشترط في جرائم الإثراء (نية التملك) من بين عناصرها المعنوية في حين انه لا يشترط في جرائم الإضرار .فجرائم اغتصاب العقار هي جرائم إثراء وفعل المدعي عليه (المتهم) لا يتضمن هدماً ولا تخريباً ولا تحركه إلى فعله نية الإضرار بالمجني عليه إنما يسعى إلى أن يحوز العقار المملوك لغيره ليباشر عليه سلطات المالك وهي من هذه الوجهة تقترب من جريمة السرقة فركنها المادي هو انتزاع الحيازة وركنها المعنوي جوهره نية تملك العقار لكن تفترق عنها في ان موضوعها عقار بينما موضوع السرقة منقول
لذلك نجد أن الفقه الجنائي عند شرحه لمفهوم أركان جريمة السرقة واشتراط أن يكون موضوعها مالاً منقولاً يقرر أن السرقة – حسب كيانها القانوني – هي اعتداء على ملكية المنقولات دون العقارات ويفسر ذلك ما قدره الشارع من أن حائزاً منقولاً هو الذي تتعرض حيازته وملكيته للمخاطر العديدة وتقضيان الحماية المغلظة، وبالإضافة إلى ذلك فإن فعل " الأخذ " – وهو قوام الركن المادي للسرقة – يعني في صورة الغالبة تغيير موضع الشيء باعتبار ذلك الوسيلة إلى إخراجه من حيازة المجني وتحقق الاعتداء على الحيازة الذي تفترضه السرقة، ولا يتصور ذلك إلا بالنسبة للمنقول فمن طرد حائز أرض أو مبنى وحل محله فيه، فهو ليس بسارق ولكنه مرتكب جريمة اغتصاب العقار

القانون المصري

نصوص قانون العقوبات المصري بشان جريمة الاعتداء على ملك الغير

المادة 369

كل من دخل عقارا في حيازة أخر بقصد منه حيازته بالقوة أ وبقصد ارتكاب جريمة فيه أو كان قد دخله قانوني وبقي فيه بقصد ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة أ وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصري. وإذا وقعت هذه الجريمة من شخصين أو أكثر وكان أحدهم على الأقل حاملا سلاحاً أو من عشرة أشخاص على الأقل ولم يكن معهم سلاح تكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين أو غرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه مصري.

المادة 170

كل من دخل بيتا مسكونا أو معد للسكن أو في أحد ملحقاته أو سفينة مسكونة أو في محل معد لحفظ المال وكانت هذه الأشياء في حيازة أخر قاصدا من ذلك منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيها أو كان قد دخلها بوجه قانوني وبقي فيها بقصد ارتكاب شيء مما ذكر، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصري.

المادة 171

كل من وجد في إحدى المحلات المنصوص عليها في المادة السابقة مختفيا عن أعين من لهم الحق فى إخراجه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه.

المادة 172

وإذا ارتكب الجرائم المنصوص عليها في المادتين السابقتين ليلا تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين.

المادة 172 مكرر

كل من تعدي على أرض زراعية أو ارض فضاء أو مبان مملوكة للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو لوقف خيري أو لإحدى القطاع العام أو لأية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات عليها أ وشغلها أو الانتفاع بها بأية صورة يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألفين من الجنيهات أو بإحدى هاتين العقوبتين ويحكم على الجاني برد العقار المغتصب بما يكون عليه من مباني أو غراس أ وبرده مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء على نفقته فضلا عن دفع قيمة ما عاد من منفعة .  

فإذا وقعت الجريمة بالتحايل أو نتيجة تقديم إقرارات أو الإدلاء بيانات غير صحيحة مع العلم بذلك تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وتضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين في حالة العود.

المادة 173

كل من دخل أرضا زراعية أو فضاء أو مباني أو بيتا مسكونا أو معد للسكن أ وفى أحد ملحقاته أو سفينة مسكونة أو في محل معد لحفظ المال ولم يخرج منه بناء على تكليفه ممن لهم الحق فى ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه.

تختلف الحيازة التي يحميها المشرع الجنائي ( في نصوص الباب الرابع عشر من الكتاب الثالث بقانون العقوبات، المواد من (369 إلى 373) عن تلك الحيازة التي أشرنا إليها في الفقرة السابقة هذا من جهة ومن جهة ثانية فإنها تختلف عن الحيازة التي يحميها المشرع الجنائي في جرائم الأموال، مثل السرقة، والنصب، وخيانة الأمانة ذلك لإن فكرة الحيازة في جرائم الأموال والتي تقوم على نظرية في تحديد ماهية الاختلاس لا تختلف في جوهرها عن الحيازة في القانون المدني، وقد اجتمع على ذلك الفقه الحديث في فرنسا ومصر وعليها استقر القضاء الجنائي في البلدين.
ويكاد يجمع الفقه والقضاء الجنائي المصري على أن المشرع إنما أراد حماية نوع آخر من الحيازة العقارية في جرائم العدوان على الحيازة وهي حيازة مختلفة عن الحيازة في فقه القانون المدني كما هي حيازة مختلفة أيضاً في فقه القانون الجنائي حين يعرض لها كعنصر في الاختلاس كعنصر في جرائم الأموال التي تقع عدواناً على ملكية المنقول كما في جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة والشيك (
فالمشرع في جرائم العدوان على الحيازة العقارية، يحمي الحيازة الفعلية، وهي نوع مختلف عن الحيازة القانونية فلا يشترط أن تتوافر فيها العنصر المعنوي في الحيازة وهو نية التملك ولا يشترط أن تكون حيازة عرضية مستندة إلى سند فهو يحمي الحائز الفعلي ولو كان حائزاً عرضياً فقد الصفة القانونية لحيازته العرضية كما لو كان مستأجراً قضى بفسخ عقد الإيجار الذي يستند عليه في وضع يده ولا يشترط المشرع أن تستمر حيازته مدة السنة المنصوص عليها في القانون المدني المصري حتى يكتسب صفته كحائز جدير بالحماية المدنية، إذ يكفي أن تتحقق له السيطرة على العقار مدة من الزمن طالت أو قصرت فلا سبيل إلى رفع يده عن العقار بغير حكم قضائي وإن حيازته على ذلك النحو معتبرة قانوناً وواجب احترامها وإنه إذا دخل الحائز القانوني( المالك ) في العقار بغير رضاء الحائز الفعلي، فإنه يعاقب على جريمة انتهاك حرمة الحيازة (

من قضاء النقض المصري في جريمة انتهاك حرمة ملك الغير
1: قانون العقوبات يحمي الحائز الفعلي ولو كان لا يستند بشأنها إلى حق :
"إن قانون العقوبات إذ نص في المادة 369 على معاقبة كل من دخل عقاراً في حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة، إنما قصد أن يحمي حائز العقار من اعتداء الغير على هذه الحيازة ولو كانت لا تستند إلى حق ما دامت معتبرة قانوناً، ولفظ الحياز إذا كان يدل على وجوب كون وضع اليد فعلياً، فإن محضر التسليم واجب احترامه بوصف كونه عملاً رسمياً خاصاً بتنفيذ الأحكام والتسليم الذي يحصل بمقتضاه لا يصح وصفه بأنه لم ينقل الحيازة بالفعل إذ القول بذلك يتعارض مع مقتضى التسليم وما يدل عليه من معنى التسليم والتسلم من نقل الحيازة في المال الذي حصل تسلمه نقلاً فعلياً ولو حصل التسليم بناء على حكم صدر في غير مواجهة مدعي الحيازة . ومن ثم لا يكون الحكم المطعون فيه – وقد أثبت أن المطعون ضدهم قد تسلموا العين بموجب محضر تسليم على يد محضر تنفيذاً لحكم قضائي قائم – قد خالف القانون في شيء إذا انتهى إلى انتفاء جريمتي اغتصاب الحيازة والسرقة في حق المطعون ضدهم"

2:يحمي قانون العقوبات الحائز الفعلي وان كان الآخر هو الأحق بالحيازة :-
"يعاقب القانون في المادة 369 عقوبات على التعدي على الحيازة الفعلية بغض النظر عن أحقية المتهم في أن يكون هو الحائز، وذلك على أساس أن الحائز الفعلي له الحق في أن تحمي حيازته حتى تنزع منه بالطريق القانوني، ولا يشترط في صدد هذه الجريمة استعمال القوة بالفعل بل يكفي أن يكون المتهم قد بدا منه ما يفيد أن نيته استعمالها إذا اقتضت الحال ذلك") .
3:الحيازة مهما كانت مدتها لا تنتزع بالقوة بل بحكم قضائي :-
"إذا دخل شخص عقاراً وبقى فيه مدة من الزمن طالت أو قصرت بحيث يصح في القانون عده أنه حائز العقار فإن حيازته تكون واجباً احترامها، ولا سبيل إلى رفع يده بغير حكم قضائي، وامتناع مثل هذا الحائز عن الخروج من العقار ولا يصح في القانون اعتباره تعدياً على حيازة الغير، بل هو منه عدم تفريط في الحيازة التي اكتسبها"

”إن الشارع إنما أراد بالمادة (369) عقوبات العقاب على التعرض للحيازة الفعلية بغض النظر عن الحق في وضع اليد، فما دامت هذه الحيازة ثابتة لزيد فإن بكراً يكون عليه احترامها مهما كان حقه في وضع اليد . أما أن يدخل الأرض مع علمه بأنها بالفعل في حيازة زيد قاصداً منع هذه الحيازة بالقوة، فهذا يقع تحت طائلة العقاب

" إنه وإن كان صحيحاً أنه لا محل لحماية الحيازة الفعلية إذا كانت قائمة على الغصب أو القوة، وإن من يتسلم عقاراً على يد محضر تنفيذاً لحكم قضائي تكون له حيازة فعلية في حق خصمه المحكوم عليه، إلا أن هذا محله أن لا يكون متسلم العقار قد تخلى عن حيازته وتركها لخصمة


الأربعاء، 29 مارس 2023

دعوى منع التعرض المادي وإزالة العدوان وفقا القانون اليمني

دعوى  منع  التعرض  المادي وإزالة  العدوان

 دعوى منع التعرض المادي وإزالة العدوان وفق القانون اليمني 

 طبيعة الواقع والقانون لدعوى منع التعرض وإزالة العدوان كتب / القاضي عبدالمنعم الشعيبي مما لا شك فيه ولا ريب أن
 دعوى منع التعرض وإزالة العدوان
 من دعاوى القضاء المستعجل وفقاً للمادة (240) من قانون المرافعات النافذ والتي جاء فيها : (يعتبر من المسائل المستعجلة في الحالة التي يخشى عليها من فوات الوقت ما يأتي :

 حالات المسائل المستعجلةفي القانون اليمني 

 1-طلب سماع شاهد مع عـدم المساس بحق المدعى في استصدار أمر بمنعه من السفر إذا اقتضى الأمر ذلك.
 2- طلب استرداد الحيازة. 
 3- طلب إثبات الحالة.
 4- طلبات بيع الأموال القابلة للتلف أو الإذن به. 
 5- طلب فرض الحراسة القضائية. 
 6- طلب الأمر بنفقة مؤقتة. 
 7- طلب منع التعرض المادي وإزالة العدوان.)

 وبشأن ذلك اعتاد المحامون على التقدم بهذا النوع من الدعاوى في حالة أي تنازع على ملكية المساحات أو الأراضي ، منتهين فيها إلى طلب منع التعرض وإزالة العدوان ، ودون أن يكون المدعي -الموكل- على علم بإن ما سيصدر من حكم في دعواه هو مجرد حكم مؤقت غير مثبت للملكية ، وبجهل من المحامي أو عن شطارة منه مضرة بموكله -المدعي- وكأنهم لا يفقهون من القضاء المدني إلا هذه الدعوى ومما يلاحظ على المحاكم الإبتدائية بشأن ذلك ، فبدلاً من أن تقوم بقبول أو رفض هذا النوع من الدعاوى في حدود مواعيدها القانونية ، وتوجيه المدعي إلى تقديم دعواه الموضوعية الفاصلة في أصل الحق فإنها اعتادت أن تقوم بنظرها بإجراءات الدعوى الموضوعية ، بحجة الظروف الإستثنائية ومن قبل ذلك وبالمخالفة للقانون ، ثم تصدر فيها حكم لا يتعرض لأصل الحق ، ثم تستمر القضية سنوات أمام المحكمة الإستئنافية ، وبعد ردحاً من الزمن وبعد كل ما أُهدر من المال والوقت يتضح للإطراف أنهم لم يتقاضوا بعد بشأن ملكية المساحة وأن عليهم التوجه مجدداً إلى المحكمة الإبتدائية للفصل بينهم بشأن ملكية المساحة. وتبعاً لذلك أضحت دعوى منع التعرض وإزالة العدوان ظاهرة أو مشكلة قانونية تؤرق كاهل الخصوم والقضاة ، فالقاضي المدني لا يستطيع أن يحكم بقبول هذه الدعوى المستعجلة لأن نظره لها بإجراءات الدعوى الموضوعية يؤكد عدم وجود حالة الإستعجال المشترطة لقبولها ، وكيف لمحكمة الإستئناف أن تؤيد حكم القبول بعد سنوات من رفع الدعوى؟ كذلك قد يتقدم أحد أطراف الخصومة -في حال تقدم خصمه بدعوى موضوعية - بدفع لسبق الفصل في الدعوى وهو ما يجعل المحكمة في حرج قانوني وأخلاقي إذ لا يعقل أن كل ما تم من إجراءات وأن كل ما أهدر من مال ووقت كان في سبيل حكم مستعجل غير متعرض لأصل الحق. لذلك أرئ أن المفترض الشرعي والقانوني والأخلاقي بالمحامين -في حالة التنازع حول ملكية المساحة- هو التقدم بدعوى رد مغصوب بدلاً من ما يسمى بدعوى منع التعرض وإزالة العدوان ، وأن من الواجب الشرعي والقانوني والأخلاقي بالقضاة رفض مثل هذا النوع من الدعاوى -

في حال التقدم بها - لعدم توفر حالة الإستعجال فيها وتوجيه الخصوم إلى رفع دعاوى موضوعية فاصلة في أصل الحق. مع شديد تمسكي بضرورة التقيد بمواعيد الدعوى المستعجلة المتوفرة شروطها ، وأنه لا يمكن نظرها بإجراءات الدعوى الموضوعية مهما كانت المبررات ؛ لأن ذلك سيؤدي إلى رفض الدعوى لعدم توفر حالة الإستعجال في حال أن نظرت بإجراءات الدعوى الموضوعية.

الثلاثاء، 21 مارس 2023

دعوى نفقة الزوجة في القانون اليمني

دعوى نفقة الزوجة في القانون اليمني

دعوى نفقة الزوجية و ابطال المفروض وفقا للقانون اليمني 

وزيادة وتخفيض المفروض والتحرى عن دخل الزوج ونفقة العدة
أولا ـ المسألة الأولى استحقاق الزوجة للنفقة : 
تستحق الزوجة النفقة في القانون نظير حق احتباس الزوج لها على ذمته: ومن البين من نص المادة الأولى من القانون 25/1920على النفقة المستحقة للزوجة وتشمل (الغذاء والمسكن و الكسوة و مصاريف العلاج بالإضافة لكافة المصاريف الأخرى 

من المقرر أن نفقة الزوجية واجبة على الزوج شرعاً لقاء احتباسها عليه وأن النفقة للزوجة ديناً عليه فى ذمته لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء طبقاً للمادة الأولى من القانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة1985 واذا توافر شروط الاستحقاق فهنا تستحق الزوجة النفقة مع يسار او اعسار الزوج طالما كان قادرا على الكسب 
هل هناك نفقة للزوجة عند اختلاف الدين ؟ 
ان نص المادة الاولى من القانون 25/1920 جاء مطلقا ولم يفرق بين الزوجة المسلمة او غير المسلمة فى استحقاق النفقة بشرط ان تكون كتابية لان الشرع اوجب ان يكون الاحتباس بعقد زواج صحيح شرعا سواء كانت مسلمة او كتابية وهى غير المرتدة لان المرتدة لا تستحق نفقة . 

كيف تفرض النفقة ؟ 

بطريقين 

ـ قضائيا ـ اتفاقا 

1ـ قضاء اقامة دعوى نفقة الزوجية : 

ـ لا تسمع الدعوى إلا لتاريخ سنة سابقة ( 1/7 من القانون 25/1920 على تاريخ رفع الدعوى) سواء كانت نفقة زوجة او نفقة عدة وتحال فى هذه الحالة الى التحقيق لتثبت الزوجة بشهادة الشهود عدم الإنفاق لذلك يفضل أن تطلب الزوجة النفقة من تاريخ رفع الدعوى وذلك لسرعة الفصل فى الدعوى . 
فلما كانت نفقة الزوجة واجبة على زوجها شرعاً لقوله تعالى فى سورة البقرة "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" وواجبة قانوناً عملاً بنص المادتين 1 ، 16 من القانون 25 لسنة 1920 المستبدلين بالقانون رقم 100 لسنة 1985 من أنه تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه وتعتبر نفقة الزوجة ديناً على الزوج من تاريخ امتناعه عن الإنفاق مع وجوبه وتقدر النفقة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسراً أو عسراً على ألا تقل النفقة فى حالة العسر عن القدر الذى يفى بحاجتها الضرورية ، والشأن فى الزوجات الطاعة وقيام الخصومة بين الزوجين قرينة الامتناع عن الإتفاق والتقاضى امارتها. 

ـ ملحوظة هامة : 

ان حكم النفقة لو اشتمل على نفقة الزوجة والصغار على مأكل وملبس ومسكن يسقط حق الزوجة بعد الطلاق فى اجر المسكن لأنها تتقاضاه فى عناصر حكم النفقة. 

ـ النفقة المؤقتة : 

ـ المادة 16 /2 من القانون 100لسنة 1985 ـ تقدر نفقة الزوجة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسرا او عسر ا على الا تقل عن النفقة فى حالة العسر عن القدر الذي يفى بحاجتها الضرورية. 

كيف تفرض : 

حيث ان القاضى لا يملك ان يقضى بفرض نفقة مؤقتة من تلقاء نفسه لأنه بذلك يقضى بما لم يطلبه الخصوم و انما يقضى بها متى طلب منه ذلك بطريقين: 

أ ـ اما بطلبها فى عريضة دعوى النفقة مع الطلبات قبل الفصل فى الموضوع. 

ب ـ اما طلبها فى محضر الجلسة . 

ـ وعلى القاضي فى حالة قيام سبب استحقاق النفقة وتوفر شروطه ان يفرض للزوجة وصغارها منه فى أسبوعين على الأكثر من تاريخ رفع الدعوى ، وهو ميعاد تنظيمى فقط لا يترتب على مخالفته البطلان، نفقة مؤقتة (تفى بحاجتها) ،بحكم غير مسبب واجب النفاذ فورا الى حين الحكم بالنفقة بحكم واجب النفاذ وللزوج بعد ذلك الحق فى طلب المقاصة بين ماتم سداده من نفقة مؤقتة وبين ما الزم به من نفقة نهائيا. 

2 ـ النفقة الاتفاقية : 

ـ للزوجين ان يتراضيا على مقدار معين من النفقة , والنفقة قد تفرض اتفاقًا أو قضاءً ، والقاعدة أن المفروض اتفاقًا كالمفروض قضاءً. 

ـ قد يتفق طرفى الدعوى اى كان وصفهما زوجان اذا كانت الزوجية قائمة او الأب مع الحاضنة على تقدير مبلغ ما شهريا للمحضون وجعله نفقة اتفاقية وحرر بذلك عقد اتفاق ليلحق بمحضر الجلسة وجعله فى قوة السند التنفيذى فالمحكمة هنا تأمره بأداء ما قطعه على نفسه. 

ـ وإذا طالبت الزوجة زوجها بالنفقة المتفق عليها ، و رفض الزوج بدعوى ان القدر المتصالح عليه لا يطيقه لأنه التزم باختياره وذلك دليل على كونه قادراً على ما التزم به فيلزمه جميع ما تصالح عليه إلا إذا وقف القاضى على حالة الزوج واعساره من البينة والقرائن . 

ـ وسلطة القاضى هنا تقديرية ولا تخرج عن ثلاث فروض : 

الأول : ان يقبل القاضي ما تراضى عليه الزوجين وهنا يكون حكمه كاشف فقط عن دين الفقة فى ذمة الزوج . 

الثانى : ان يزيده القاضي اذا وجد فيه تعسف من الزوج رغم يساره ولا يسد المفروض ظروف المعيشة . 

الثالث : ان ينقصه القاضى اذا وجده مغالا فيه مع ضيق حال الزوج . 

ـ وذلك هذا الاتفاق وهو محرر وله حجية عاملة فى إثبات إلتزام الزوج بالإتفاق بالمبلغ الذى قدره على نفسه بما يعد إتفاقاً صائباً تعتبره المحكمة فى إثبات إلتزام الزوج بالنفقة المتفق عليها ولا يقدح عن ذلك ما يقرر به بعد أنه قد حرر ذلك الاتفاق فى ظروف نفسية ما إذ هى أقوال لا تخوله الحق فى إسقاط ما إلتزم به ، إلا إذا تبين أن دخله قد نقص عن وقت الفرض الأصلى سيما بما للنفقة من حجية مؤقتة وأن للمحكمة ان تتحقق من بيان رابته أنه قادر على الكسب بما يلزمه بأداء نفقة الصغيرة التى فرضها على نفسه ام لا خاصة وان الالتزام هو دليل قدرته فلا يجوز له طلب إنقاصه إلا بإثبات إنقاص دخله عن الوقت الذى إلتزم فيه بما فرضه على نفسه .

ـ تصالح الزوجة على نفقة لا يمنعها طلب زيادتها : 

قد تتصالح الزوجة على مقدار معين من النفقة مع زوجها فان هذا الصلح ليس معناه ان هذا الاتفاق أبدى و لأجل غير مسمى بل يمكن لها ان تطلب زيادة المفروض كلما توافرت شروطه وتغيرت أحواله لان أحكام النفقة قابلة للتغيير والتبديل تبعا لتغير ظروف المفروض عليه يسارا او عسرا 

المسألة الثانية 

يسار أو القدرة المالية للزوج 

ـ إثبات دخل الزوج بالتحري يتم عن طريق اخذ خطاب تحرى من السكرتير بعد طلب التصريح بالتحري من المحكمة : 

أولاً : إذا كان له جهة عمل معلومة يسلم خطاب التحري باليد لجهة العمل لضمان سرعة وروده قبل الجلسة. 

ثانيًا : إذا لم يكن له عمل حر أو غير معلومة جهة عمله يتم التحري عن طريق المباحث فى قسم الشرطة التابع له مسكن الزوج . 

ثالثًا : الاستعلام عن الرصيد البنكي ـ ولما كانت المادة الأولى من القانون 205 لسنة 1990 بشأن سرية الحسابات قد نصت على : "تكون جميع حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك وكذلك المعاملات المتعلقة بها سرية ... ولا يجوز الإطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة ، أو النائب القانوني أو الوكيل المفوض فى ذلك أو بناء على حكم قضائي أو حكم محكمين". 

ولما كان القانون قد أعطى للمحكمة الحق فى إصدار حكم للاستعلام عن رصيد أى شخص طالما كان هذا لازم للفصل فى الدعوى ، وقد تكون الدعوى منظورة أمام المحكمة وهى دعوى نفقة مثلا ويستلزم لتحديد المبلغ المحكوم به معرفة درجة يساره ومعرفة حالته المالية ، فقبل الفصل فى الموضوع تأمر المحكمة بالاستعلام من البنك المودعة به عن رصيد وحساب المدعى عليه المودع لدى البنك فى أى شكل كان ، وذلك خلال الفترة التى تحددها المدعية وحتى تاريخ صدور الحكم التمهيدى لبيان حالته المادية يسراً وعسراً ولتحديد ما تستحقه المدعية كنفقة الجديدة. 

رابعًا : إحالة الدعوى للتحقيق لاثبات يسار الزوج بشهادة الشهود , و تستطيع الزوجة اثبات يسار زوجها ودخله بشهادة الشهود ، متى اطمأنت لهما المحكمة ومن ثم تقضى لها بنفقة زوجية بأنواعها بما يتناسب مع يسار حاله. 

المسألة الثالثة 

تخفيض المفروض والزيادة و الإبطال 

ـ إيضاح لابد منه حجية أحكام النفقة : 

ان أحكام النفقة لها حجية مؤقتة قابلة للتغيير لأنها يرد عليها التبديل والتغيير تبعا للظروف والأحوال وتغير أحوال المقضي به كما يرد عليها الإسقاط والزيادة و النقصان. 

أولا ـ تخفيض المفروض للزوجة : 

ـ أن يطلب الزوج ذلك ولا يحكم القاضي به من تلقاء نفسه وهذا يقتضى أن يقيم الزوج دعوى مبتدأه تخفيض مفروض. 

ـ ويثبت أمام القاضي تغير حالته المادية عن فترة القضاء بالنفقة عليه وللزوج الإثبات بكافة طرق الإثبات والتخفيض يكون من يوم الحكم. 

ثانيا ـ زيادة المفروض للزوجة من نفقة : 

ـ أن تطلب الزوجة ذلك بزيادة المفروض لها باعتبار تغير ظروف الحياة ويسار حالة زوجها. 

ـ وحيث أنه من المقرر بقضاء النقض أن الأحكام الصادرة بالنققة ذات حجية مؤقتة وأنها مما يقبل التغير والتبديل وترد عليها الزيادة والنقصان بسبب تغير الظروف كما يرد عليها الإسقاط بتغير دواعيها. 

[الطعن رقم 21 س 28 ق أحوال شخصية جلسة 27/10/1960 س11 ص540]. 

ـ إبطال مفروض نفقة زوجية ـ لزوال الملك بالطلاق : 

ـ ومن حيث أنه من المقرر قانوناً أن الحكم الصادر فى النزاع القائم على النفقة هو بطبيعته حكم مؤقت يتغير بتغير المراكز القانونية لأطرافه ، يزول أثره متى زالت دواعيه ، ذلك أن النفقة تقدر بحسب الحاجة ولها أسباب فرضها القانونية، فإذا زالت هذه الأسباب سقط الحق فيها ، ومتى صدر الحكم بالنفقة على أساس قيام الزوجية بين طرفى النزاع ، فإن يصح القضاء بعدئذ ، بالكف عن المطالبة بها متى انتهت الزوجية بالطلاق وانقضت العدة وسوف نورده بالتفصيل فيما يلى. 

المسألة الرابعة 

توقف استحقاق الزوجة للنفقة 

أولا : نشوز الزوجة بحكم قضائي نهائي : 

حيث جاء فى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 أنه (إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها). 

لا تستحق الزوجة النفقة وذلك في حالة ثبوت نشوزها بحكم نهائي ويكون النشوز بدعوى قضائية ـ دعوى نشوز ـ وتقام هذه الدعوى في حالتين : 

ـ فوات مواعيد الاعتراض على إنذار الطاعة وهو 30 يوم . 

ـ أو إذا قضى بعدم الاعتداد بالاعتراض على إنذار الطاعة. 

ثانيًا : انتهاء عدة الزوجة شرعا من زوجها : 

إذا كان الأصل أن النفقات تفرض للزوجة نظير الاحتباس ، إلا أنه طلقها ، وعليه يبطل حقها فى نفقة الزوجية منذ تاريخ الطلاق خاصةً واذا حلفت اليمين برؤيتها دم الحيض ، الأمر الذى يستوجب ابطال مفروضها ويقضى لها بنفقة عدة ثلاث شهور من تاريخ ايقاع الطلاق. 

ثالثًا : الارتداد عن دين الاسلام . 

رابعًا : حبس الزوجة مالم يكن الزوج هو السبب فى الحبس كما لو حبست فى دين لها عليه وجبت نفقتها. 

8 ـ المقاصة فى دين النفقة: 

حدد القانون 25/1920 المقاصة بين دين الزوج على زوجته ودين النفقة فى المادة الاولى بانه لا يقبل من الزوج التمسك بالمقاصة بين نفقة الزوجة وبين دين له عليها الا فيما يزيد على ما يفى بحاجتها الضرورية 

المسألة الخامسة 

نفقة العدة 

ـ كما نصت المادة الثانية من ذات القانون على أن المطلقة التى تستحق النفقة تعتبر نفقتها ديناً من تاريخ الطلاق ـ وتستحق المطلقة النفقة لمدة لا تقل عن ستين يوماً وهى أقل مدة للعدة ولا تزيد عن سنة ميلادية وهى أقصى مدة لتنفيذ حكم بنفقة عدة وتشمل نفقة العدة شأن نفقة الزوجية والأصل أن : 

ـ عدة المحيض ثلاث حيضات فتستحق النفقة عنها لثلاث مرات . 

- وعدة من لا ترى الحيض لصغر فى السن أو لبلوغها سن اليأس ثلاث شهور، ومنها أن تضع الحامل حملها، سواء كان الطلاق رجعى أو بائن وسواء كان حاملاً أم لا. 

ـ تستحق النفقة على مطلقها سواء كان الطلاق رجعياً أم بائناً ، وسواء كان بائناً بينونة كبرى أم بينونة صغرى. 

ـ استحقاق نفقة العدة : 

ـ ويكون استحقاق المطلقة للنفقة من تاريخ الطلاق وتسمى نفقة عدة ، و تكون مستحقة للمطلقة على مطلقها حتى تنتهى عدتها منه شرعاً. 

ـ وإذا ثبت يسار المطلق فإن المحكمة تقضى لها بنفقة عدة من تاريخ طلاقها ولمدة ثلاث شهور. 

ـ إثبات انتهاء العدة بالإقرار : 

ـ ومن حيث أنه من المقرر أن الإقرار يصح أن يكون فى صحيفة دعوى أو فى المذكرات أو فى محاضر الجلسات ، فإذا كان الإقرار صادر فى قضية أخرى وإن كان لا يعد إقراراً قضائياً ملزماً حتماً إلا انه إقرار مكتوب صدر فى مجلس القضاء ، ومثل هذا الإقرار يترك تقديره لمحكمة الموضوع. 

ـ كما أنه من المقرر أن الإقرار إذا صدر أمام القضاء فى دعوى متعلقة بالواقعة التى حصل عنها الإقرار هو قرار قضائى حجة على المقر ويتعين على القاضى أن يأخذ به ويحكم بمقتضاه. 

[الطعن رقم 60 لسنة 55 ق جلسة 27/5/1986 س37 ص595] 

ـ وحيث أن الزوج طلق زوجته طلقة أولى رجعية بموجب وثيقة طلاق رسمية ، والزوجة قد أقرت بانقضاء عدتها منه برؤيتها دم حيضها ثلاث مرات وذلك فى دعوى اخرى، ولما كانت الدعوى التى صدر فيها هذا الإقرار متعلقة بالدعوى المطروحة فإن المحكمة تأخذ بإقرار المدعى عليها وتعتبره دليلاً كاملاً على انقطاع عرى علاقة الزوجية بالإبانة. 

[الطعن رقم 21 لسنة 28 ق أحوال شخصية جلسة 27/10/1960] 

ـ ومن ثم يسقط حقها فى النفقة من ذلك التاريخ لانفصام عرى الزوجية وانقضاء مدة العدة ، من ثم تقضى المحكمة بإسقاط حقها فى نفقة الزوجية من ذلك التاريخ. 

المسألة السادسة 

مصاريف الولادة 

ـ مصاريف الولادة للزوجة تعد من نفقة المولود على ابيه وليس من نفقة الزوجة 

ـ ان مصاريف الولادة للزوجة تعد من نفقة المولود على ابيه وليست من نفقة الزوجة ، وتقدر مصروفات العلاج فى ضوء حالة الزوج المالية يسراً وعسراً بصرف النظر عما تقدمه الزوجة من أوراق و عما تكبدته من مصروفات للعلاج ويخضع الأمر لتقدير قاضى الموضوع. 

ـ للمحكمة السلطة التقديرية فى تقدير مصاريف العلاج : 

ـ فاذا أقامت الزوجة الدعوى بغية القضاء لها بمصاريف علاج للصغير ودللت على ذلك بعدد من روشتات طبية باسم الصغير وأشعة سونار وكذا فواتير صادرة من صيدلية واحدة ، وحيث ان نفقة علاج الصغار هى من بين النفقات التى تقع على عاتق الأب وان المحكمة تطمئن إلى الروشتات الطبية الخاصة بالصغيرو أثير بشأن فواتير الصيدلية مثلا أنها بدون تاريخ ودون توقيع أو خاتم عليها ولم يدون بها اسم الصغير أو المدعية ، الأمر الذى لا تطمئن معه المحكمة لتلك الفواتير مع مراعاة يسار او اعسار الاب وهو أمر متروك لتقدير المحكمة. 

ـ قبل الدخول هل تستحق الزوجة مصاريف علاج : 

ـ والزوجة المريضة تستحق النفقة على الزوج بعد الدخول حتى لو كان المرض مزمناً أو طعنت فى السن أو أصابها جنون ، أما قبل الدخول فلا نفقة لها . 

[قوانين الأحوال الشخصية ـ معلقاً على نصوصها ـ أشرف مصطفى كمال ـ مكتبة رجال القضاء ـ طبعة 90/91 صفحة 12]. 

ـ التزام الزوجة برد ما تحصلت عليه من النفقة بدون وجه حق : 

وحيث أنه بوقف نفقة المدعى عليها على المدعى بموجب حكم نشوز وذلك من تاريخ امتناعها عن طاعته وكان هذا الحكم لم يطعن عليه بالاستئناف من قبل المدعى عليها وكان الثابت من بالمستندات أنه تم تنفيذ حكم النفقة لصالح المدعى عليها فى الفترة من تاريخ امتناعها عن طاعته ومن ثم فإن طلب المدعى بإلزام المدعى عليها برد هذا المبلغ قد صادف صحيح القانون يتعين إجابته. 

12ـ إجراء المقاصة فى دين النفقة : 

وحيث أنه لما كان من المقرر وفق أحكام المادة الأولى من القانون رقم 100 لسنة 1985 للزوج أن يقيم الدعوى بطلب إجراء المقاصة بين ما حكم به عليه كنفقة زوجية وبين دين ثابت له قانوناً على الزوجة إلا أن المحكمة فى حكمها لإجراء المقاصة يتعين عليها ألا تحكم بمبلغ النفقة كله أو أغلبه والحالة الثانية لأجراء المقاصة بطريق الدفع فى دعوى النفقة أو بدعوى جديدة بإجراء المقاصة فيها بين ما حصلت الزوجة عليه من نفقة بمقتضى حكم النفقة ومما قضى به عليه كنفقة لها وقتية إذا كان القضاء الأخير قد جاء بأقل من القضاء الوقتى فى المقدار مراعاة ألا تزيد المقاصة على ما يفى بحاجة الزوجة الضرورية. 

ـ وذلك لأن غالبا يطول أمد النزاع لحين الفصل في الدعوى فهى تطلب الفقة المؤقتة في صحيفة الدعوى الموضوعية للزوجة أو الصغار او تطلبها فى محضر الجلسة ولا تقبل اذا رفعت بها دعوى مستقلة وحدها

الاكراة الذي يبطل العمل القانوني

الإكراه الذي يبطل العمل القانوني  

 الإكراه الذي يبطل العمل القانوني

 المقدمة: كرم الله الإنسان فخلقه حراً طليقاً وميزه عن سائر المخلوقات بالعقل الذي هو مناط التكليف وأداة للاختيار والرضاء، ومنه تتوقف صحة التراضي على صحة الإرادة التي هي جوهر العقد وأساس قوته الملزمة، نظراً لما تتمتع به من حرية الدخول في العلاقات التعاقدية، ونظرا لما لها من دور في إنشاء العقود وتحديد أثارها.  والإرادة لا تنتج أي أثر قانوني إلا إذا كانت  حرة وواعية, أحاطت بمضمون التصرف فاتجهت إليه بمحض الإرادة, وللأخيرة حالتين: 

 الحالة الأولى:  هي التي يمكن أن تكون معدومة إذا ما صدرت ممن لا يملكها كالصبي غير المميز أو المجنون ... إلخ  في هذه الحالة يكون العقد منعدما ومن ثم باطلا بطلانا مطلق.  الحالة الثانية: إذا ما صدرت من كامل الأهلية لكنها شابها عيب من عيوب الرضا, كالإكراه والغلط والتدليس.  في هذه الحالة يكون العقد باطلا بطلانا نسبيا, وعليه:   فالإكراه : هو الضغط الذي أحدث رهبة في نفس المكره, دفعته إلى التعاقد. وهو ما عرفه القانون المدني اليمني, حيث نصت المادة (١٧٥)  على: هو حمل القادر غيره على ما لا يرضها قولاً أو فعلاً, بحيث لو خُلّي ونفسه لما باشره، ويكون بالتهديد بإتلاف نفس أو عضو أو بعض عضو بإيذاء جسيم, أو بالتهديد بما يمس العرض أو الشرف أو بإتلاف.   الظاهر من النص أنه جعل للإكراه معنى محدد, وهو إجبار المكرِه للمكَره على القول أو الفعل الذي لا يرضها، وهو ما يعني وجود التلازم بين الرضا والاختيار.  كما حدد النص القانوني على أن الإكراه كما يقع على التصرفات القولية من بيع ونحو ذلك, فإنه يقع على الأفعال الحسية, كالتهديد بالقتل أو إتلاف الأعضاء.   شروط الإكراه: نصت المادة (١٧٦) مدني يمني:  لا يعتبر الإكراه إلا إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعي الإكراه أن الخطر الجسيم الذي يهدده, محدق به أو بغيره ممن يهمه أمرهم كالزوجة وأصله وفرعه, حال قيامه بما أكره عليه، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية, وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه ، وقد يقع الإكراه من المتعاقد معه أو من غيره.   الشرط الأول: وجود الرهبة أو الخوف في نفس المتعاقد : وهو أن يستشعر المتعاقد أن الخطر الجسيم المحدق به أو بغيره ممن يهمه أمرهم كالزوجة أو أصله أو فرعه لابد واقع إن لم يقم بإبرام العقد سواء كان سبب هذه الرهبة ماديا كالتهديد بالإيذاء الجسدي، أو معنويا كالإيذاء بالسمعة أو الشرف أو الاعتبار. فالرهبة لا يشترط أن يكون الخطر قد حل بالمكره وإنما المعتبر هو وجود الرهبة فعلاً ووفقاً لظروف الحال التي أحاطت بالمكره. وعلى ذلك لو أبرم المكره العقد نتيجة قيام المكره بإشهار المسدس عليه, وفي اعتقاده أنه سيقتل حتماً أو يصاب بضرر جسيم إذا لم يبرم العقد، فإن حالة الإكراه تتحقق حتى ولو تبين فيما بعد أن المسدس خالٍ من الرصاص, لأن العبرة هي بوجود الرهبة الدافعة للتعاقد.   الشرط الثاني: أن يكون الإكراه بغير حق : مثال: أن يهدد شخص آخر أنه إذا لم يقرضه مبلغ كذا فإنه سيخطف ابنه أو يشهر بأحد محارمه ممن يهمه أمرهم، فإذا ثبت هذا الإكراه وتم إبرام التصرف المطلوب أو القيام بعمل ما, فلا يعول عليه لانعدام الرضا والاختيار. ويطبق نفس المعنى على من يهدد مدينه بالحجز على أمواله إن لم يحرر له سنداً بأكثر مما في ذمته, لعدم مشروعية الغاية.   الشرط الثالث: أن تكون الرهبة هي الدافعة إلى التعاقد:  أي انه لولا الرهبة لما تم التعاقد، وهو كيف يمكن الوصول إلى هذه الحقيقة على ضوء نص المادة (١٧٨):  ( ... ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه). الواضح من هذا النص أنه يمكن الوصول إلى هذه الحقيقة عن طريق المعيار الشخصي أو الذاتي لمن وقع عليه الإكراه،  ومدى اعتقاد الجازم بقدرة المكره على تنفيذ ما توعد به، وعدم قدرة المكره على التخلص من الإكراه،  ولذلك يعتبر الإكراه في محل خال لا يلحقه الغوث، وبالسلاح أو في الليل من الظروف المؤكدة على صدق الرهبة, التي لولاها لما تحقق الإكراه.  لا فتقدير حالة الإكراه المعدم للرضا والاختيار مرجعه على تقدير القاضي, وفقاً للظروف الملابسة التي أحاطت بالمكره, من حيث سنه وحالته الاجتماعية والصحية, ونحو ذلك من الظروف التي يدخلها القاضي في الاعتبار عند الجزم بأن الرهبة هي الدافع الوحيد للتعاقد.   الشرط الرابع: أن تصدر الرهبة من أحد المتعاقدين أو من الغير : وينطوي تحت هذا الشرط ثلاث مسائل هي : 1-  الإكراه الصادر من أحد المتعاقدين على الآخر: فلا خلاف في تأثيره على الرضا وتوافر قيام حالة الإكراه متى كانت الرهبة هي الدافعة للتعاقد, كما ذكرنا سابقاً. ٢- الإكراه الصادر من الغير:  كما لو قام زيد بإكراه بكر على بيع منزله لإسماعيل ، وبعد أن زالت حالة الإكراه طلب بكر استرجاع منزله من إسماعيل, فما الحكم؟ الجواب في نص المادة(١٧٨) مدني يمني:  أذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين بدون علم المتعاقد الأخر، كان للمتعاقد الآخر أذا رجع عليه المكره لإرجاع ما اكره عليه أن يطالبه بتعويض ما غرمه وما اصابه من ضرر والمكره يرجع على من اكرهه)   أي يجوز لبكر طلب إبطال العقد للإكراه, ويفرق من حيث الأثر بالنسبة لإسماعيل في حالة ما إذا كان يعلم، أو لا يعلم بالإكراه،  فإن كان إسماعيل لا يعلم بحالة الإكراه الواقعة على بكر، فإن له أن يطالب بكراً بتعويض ما غرم, وما أصابه من ضرر نتيجة إبطال العقد وذلك تقديراً لحسن نيته, ثم يكون لمن وقع عليه الإكراه أن يرجع بتلك التعويضات والغرامات على من أكرهه. وأما أن كان إسماعيل يعلم بحالة الإكراه فليس له من بكر إلا استرجاع الثمن, أما ما أصابه من الغرامة والضرر نتيجة إبطال العقد فليس له أن يرجع على بكر، وإنما له أن يطالب بذلك زيداً لأنه المكره لبكر على إبرام التصرف منه.   ٣- الأمر الغالب الدافع إلى التعاقد : لا محل لمثل هذا الخلاف في القانون المدني اليمني, حيث أثبتت المادة (١٧٦) على أن حاله الإكراه تتحقق سواء وقعت من أحد المتعاقدين ام من الغير، لوجوب سلامة الرضا من العيوب حال التعاقد.   أثر الإكراه: نصت المادة(١٧٧) مدني يمني على أثر الإكراه بالنسبة للتصرفات المالية عند تحقق شروطه بقولها:  لا يصح العقد الصادر من شخص مكره عليه، ويجب على من وقع منه الإكراه إرجاع ما كان الإكراه عليه.   أي أن العقد المبرم تحت تأثير الإكراه لا يعيب الرضا فحسب وإنما يعدمه، والقانون المدني اليمني يأخذ بوحدة التلازم بين الرضا والاختيار, لذلك يجب على من وقع منه الإكراه إرجاع ما كان الإكراه عليه, لانعدام الإرادة حال التعاقد, وهو ما عليه جمهور الفقه الإسلامي.   عبء اثبات الإكراه: إثبات الإكراه وفقاً للقاعدة العامة التي تقضي بان الأصل هو أن سلامة الإرادة يكون على من يدعي وقوع إكراه افسد أرادته أن يثبت وجوده وتوافر شروطه, فعليه أن يثبت أن هناك وسيلة ضغط غير مشروعة استعملت ضده, وان هذه الوسيلة ضغط غير مشروعه لإرهابه, وأنها هي التي دفعته إلى التعاقد.  واثبات الإكراه هو إثبات لوقائع مادية, فإن هذا الإثبات جائز بجميع الطرق. وتقدير ما إذا كان الإكراه مؤثراً أو غير مؤثراً، وما إذا كانت الرهبة الناشئة منه هي الدافعة إلى التعاقد أم لا, مسألة واقعية تدخل في سلطة قاضي الموضوع, دون رقابة عليه من محكمة النقض.      المراجع: ١-د.محمد بن حسين الشامي، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني اليمني، الجزء الأول مصادر الالتزام ، ص ١٩٠. ٢-د.الشامي، مرجع سابق، ص ١٩٠-١٩٤. ٣-المذكرة الإيضاحية للقانون المدني اليمني : الكتاب الثاني. ص ٧٤. ٤-د.الشامي، مرجع سابق، ص ١٩٤، ١٩٥. ٥-د. فتح الله الغشار، احكام وقواعد الإثبات في الفقه الإسلامي وقانون الاثبات

بطلان القسمة في اثناء حياة المورث في القانون اليمني

 بطلان القسمة في اثناء حياة المورث في القانون اليمني

القسمة في القانون اليمني 

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء 

القسمة في اثناء حياة المورث تثير جدلاً واسعاً في اليمن من حيث مدى جوازها ولزومها، ويرجع سبب ذلك إلى أن قانون الأحوال الشخصية لم يكن موفقاً في تنظيمه لهذا الموضوع الشائك والمتداخل مع غيره، وقد سبق لنا نشر بحث بحكم في مجلة (جيل) اللبنانية للأبحاث المعمقة في هذا الموضوع تناولنا فيه هذا الموضوع تفصيلاً ، ولأهمية هذا الموضوع وكثرة الاحتياج له فان هناك بعض جوانب هذا الموضوع تحتاج إلى ايضاح ، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/4/2010م في الطعن الشخصي رقم (38123) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم انه : تقدمت ثلاث اخوات بدعواهن ضد اخوهن الذكر الوحيد وذلك أمام المحكمة الابتدائية حيث طلبن في دعواهن بقسمة تركة والدهن ،وقد دفع المدعى عليه شقيقهن بعدم سماع الدعوى لسبق القسمة في حياة المورث والدهن فقد تمت تلك القسمة بنظر وبخط القسام ...، فردن المدعيات على ذلك الدفع بأن تلك القسمة باطلة لأنها تمت في حياة المورث والدهن، وسارت المحكمة في إجراءات نظر القضية حتى خلصت الى الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى والحكم بقبول الدعوى المرفوعة من المدعية وبطلان القسمة الواقعة في اثناء حياة المورث وإعادة قسمة التركة وإلزام المدعى عليه بدفع مصاريف التقاضي، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي (أنه تبين من خلال الاطلاع على الفصول التي تمت القسمة بموجبها انها لم تكن بشكل قانوني أو شرعي بل كانت بشكل عشوائي حسب هوى المورث وارادته في تفضيل ولده الذكر .... على  اخواته الاناث المدعيات كما هو ثابت من خلال شهادة القسام نفسه) فلم يقبل الأخ بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه وقد ذكر المستأنف في عريضة استئنافه أن  المدعيات قد حضرن عملية القسمة اثناء حياة المورث وان تلك القسمة تم تعميدها من قبل رئيس المحكمة الابتدائية المختصة، الا ان محكمة الاستئناف قضت بتعديل الحكم الابتدائي بحيث تعاد قسمة ثلثي التركة على جميع الورثة أما الثلث فيكون للولد المستأنف مقابل الغرامات التي دفعها في سبيل المحافظة على اموال التركة واصلاحها، فلم يقبلن الاخوات  المدعيات بالحكم الاستئنافي فقمن بالطعن فيه بالنقض، فقبلت الدائرة الشخصية الطعن وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة أن الحكم بإعادة القسمة الشرعية موافق للشرع والقانون عدا ما قضت به الشعبة بتجنيب الثلث من التركة الأمر الذي يتعين معه نقض الحكم في هذه الجزئية لان القسمة  وقعت في اثناء حياة المورث ولم يتعقبها اجازة الورثة بعد وفاة مورثهم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم على النحو الاتي: 
الوجه الأول : موقف الفقهاء من قسمة الشخص لماله في اثناء حياته : 

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أربعة أقوال، القول الأول : يذهب إلى عدم جواز هذه القسمة لأن الارث فرائض  افترضها الله سبحانه وتعالى وقررها فهو  الذي حدد وقتها بعد موت المورث فالقسمة في اثناء حياة الشخص مخالفة للوقت الذي حدده المشرع تبارك وتعالى، اما القول الثاني : فقد ذهب الى جواز ذلك شريطة أن تتم القسمة كقسمة الميراث تماماً ، في حين ذهب القول الثالث : الى جواز هذه القسمة على ان يتم ذلك على سبيل العطية والهبة وليس على أساس الارث فتتم المساواة بين الاولاد ذكوراً واناثاً في هذه القسمة باعتبار ذلك عطية يتساوى فيها الاولاد ذكورا واناثا، وقد ذهب القول الرابع : الى كراهة هذه القسمة  جمعاً بين ادلة الحظر وادلة الاباحة ونحن نرجح القول الثالث لمناسبته في العصر الحاضر وللدوافع التي تدفع الاشخاص الى تقسيم اموالهم في اثناء حياتهم بين الورثة المحتملين.

الوجه الثاني : موقف القانون اليمني من قسمة الشخص لماله اثناء حياته :

مع ان القانون المدني نظم قسمة الأموال بين الورثة والشركاء على الشيوع في المواد من (1197) الى (1223) إلى أن هذه النصوص لم تتناول هذا الموضوع، اما قانون الاحوال الشخصية فقد تضمنت بعض نصوصه اشارات الى قسمة الشخص لماله اثناء حياته، وقد خلط فيها القانون بين أحكام الميراث والعطية والهبة والوصية، فقد نصت (183) أحوال شخصية على أنه(تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الاولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) والهبة ومشتبهاتها تقع في اثناء حياة المورث وفقاً للمادة (168) أحوال شخصية، وعند امعان النظر في المادة (183) السابق ذكر نصها نجد أنها قد اجازت قسمة المال في اثناء حياة المورث شريطة ان يتم ذلك طبقاً لأحكام الميراث وبهذا يكون القانون قد اخذ بقول العلماء الذين ذهبوا الى جواز قسمة الشخص لماله في اثناء حياته وفقاً لأحكام الميراث، ومع ان القانون قد ذهب الى جواز القسمة في اثناء حياة المورث الا انه قرر في المادة (186) ان القسمة في هذه الحالة يكون حكمها حكم الوصية فلا تكون القسمة نافذة الا بعد وفاة الشخص حيث نصت المادة (186) على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية الا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً) وبالإضافة الى ذلك فقد قرر قانون الاحوال الشخصية الا ان هذه القسمة باعتبار هبة ووصية لوارث فإنها لا تكون نافذة الا اذا اجازها بقية الورثة بعد وفاة مورثهم وليس في اثناء حياته حسبما ورد في المادة (234).

 

الوجه الثالث : موقف الحكم محل تعليقنا من قسمة الشخص لماله بين ورثته في اثناء حياته : 

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى ببطلان القسمة في اثناء حياة المورث وذلك في القضية التي فصل فيها ، وقضاؤه سديد لان القسمة لم تتم بحسب الفرائض الشرعية كما انها لم تكن بالتساوي بين الورثة بحسب الفرائض الشرعية حيث خصص الوالد غالب ماله لابنه الوحيد وهضم البنات المدعيات إضافة إلى ان الورثة لم يجيزوا هذه القسمة بعد وفاة والدهم بل انهم تنازعوا حتى قمن البنات برفع دعوى بطلان تلك القسمة كما ان الولد الوحيد لم يستهلك حقيقة أو حكماً المال الذي آل اليه بموجب تلك القسمة حيث ظل ذلك المال تحت يد الولد الذكر حتى بعد وفاة والدهم وحتى وقت رفع البنات لدعواهن فقد ظل هذا المال موجودا  لدى  الولد فلم يستهلك ذلك المال حقيقة أو حكماً في اثناء حياة المورث، وبناء على ذلك فان قضاء الحكم محل تعليقنا سديد موافق لنصوص قانون الاحوال الشخصية مع تحفظنا على خلط القانون للمفاهيم فيما بين القسمة والهبة والعطية والوصية على النحو السابق بيانه،والله اعلم. 

الجمعة، 17 مارس 2023

اركان الحكم في القانون اليمني

اركان الحكم في القانون اليمني

أركان الحكم وشروط صحته - "الحكم الباطل والحكم المعدوم" =========================

 للحكم مكونات وعناصر يجب توافرها فيه حتى يصدر سليماً محمياً من الطعون وقد درج الاجتهاد على تسميتها بأركان الحكم وشروط صحته. فالأركان الأساسية ( الجوهرية) في الحكم تعتبر القواعد الراسخة والأساس المتين في صرح الحكم وهي التي تمنحه أسباب الوجود ومقومات البقاء. وأما شروط الحكم فهي الشروط اللازمة لصحته التي تدفع عنه رجوم الطعون التي توجه إليه. وهذا ما يشدنا للقول بأن الحكم إما أن يصدر سليماً وإما أن يصدر معيباً وهو في هذه الحالة إما أن يكون باطلاً وإما أن يكون معدوماً بحسب درجة وجسامة العيب الذي اعتوره. فإذا ما استوفى الحكم مقوماته الأساسية إلا أنه صدر مشوباً بعيب في أحد مقوماته بحيث يمكن إصلاحه بالطرق القانونية كان حكماً باطلاً. أما إذا فقد أحد مقوماته الأساسية فلا ينتج آثاره مطلقاً لأنه لا وجود له ويكون حكماً منعدماً. ويستفاد من الاجتهادات القضائية والبحوث الفقهية
 أن أركان الحكم الجوهرية التي لا غنى له عنها هي : 
١- صدور الحكم عن محكمة مشكلة تشكيلاً صحيحاً وفي حدود سلطتها الولائية. 
٢- صدوره باسم الشعب العربي في سورية. 
٣- صدوره بعد دعوة الخصوم إلى المحاكمة وتبليغهم الحضور. ٤- صدوره على من كان حياً عند إقامة الدعوى.
 ٥- صدوره مكتوباً. 
٦- توفر البيانات الأساسية فيه من أسباب ومنطوق. 
٧- توقيع القاضي أو الهيئة القضائية على مسودة الحكم.

 أما شروط الصحة اللازمة للحكم: 

١- تطبيق المحكمة لقواعد الأصول تطبيقاً صحيحاً في كافة إجراءات المحاكمة ومراحلها وبسط رقابتها عليها ابتداءً من مرحلة التبليغات المحررة للخصوم وانتهاءً بإصدار الحكم الفاصل في النزاع. ٢- تقيد المحكمة بنصوص القانون والاجتهاد المستقر واسترشادها بهما وتطبيقهما على واقعة الدعوى تطبيقاً سليماً وعادلاً.وعادلاً.

الاثنين، 13 مارس 2023

الأحكام الجنائية في القانون اليمني

الأحكام الجنائية في القانون اليمني 

الأحكام الجنائية يجب أن تبنى بالجزم واليقين ولاتؤسس بالظن والاحتمال


قررت هذا المبدأ الدوائر الجنائية فى الطعن رقم 7533 / 79 بتاريخ 7-4-2011 وذلك تأسيسا على الأتي :
"
الأحكام الجنائية في القانون اليمني لما كانت الأحكام الجنائية يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس بالظن والاحتمال على الفروض والاعتبارات المجردة، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد استدل في إدانة الطاعنين بأقوال شاهدي الإثبات والتي خلت مما يفيد إسناد ارتكاب الواقعة إليهما أو مشاهدتهما يرتكبان الفعل المادي لجريمة القتل المسندة إليهما وما أوراه تقرير الصفة التشريحية . ولما كانت أقوال الشاهدين كما حصلها الحكم قد خلت مما يفيد رؤيتهما أياً من الطاعنين يرتكب الفعل المادي لجريمة القتل المسندة إليهما ، وكان الحكم لم يورد أية شواهد أو قرائن تؤدى بطريق اللزوم إلى ثبوت مقارفة الطاعنين لواقعة التعدي التي أودت بحياة المجني عليه ولا يغنى في ذلك استناد الحكم إلى أقوال ضابط المباحث بالتحقيقات فيما تضمنته تحرياته من أن الطاعنين وآخرين تعدوا على المجني عليه بعد اتفاقهم على قتله بتحريض من المتهم السادس لوجود خصومة ثأرية ، ذلك بأن القاضي في المواد الجنائية إنما يستند في ثبوت الحقائق القانونية إلى الدليل الذي يقتنع به وحده ولا يصح أن يؤسس حكمه على رأى غيره ، وأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززه لما ساقته من أدلة ما دامت أنها كانت مطروحة على بساط البحث إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت الجريمة ، ولما كانت المحكمة قد جعلت أساس اقتناعها بارتكاب الطاعنين لجريمة القتل رأى محرر محضر التحريات فإن حكمها يكون قد بني على عقيدة حصلها الشاهد من تحريه لا على عقيدة استقلت المحكمة بتحصيلها بنفسها ، فإن الحكم يكون قد تعيب بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يبطله ، ولا يعصم الحكم من هذا البطلان أن يكون قد عول في الإدانة على ما ورد بتقرير الصفة التشريحية ، لما هو مقرر من أن التقارير الطبية في ذاتها لا تنهض دليلاً على نسبة الاتهام إلى المتهم ، وإذ كانت تصح كدليل يؤيد أقوال الشهود ، ومن ثم فإن استناد الحكم إلى التقرير ذاك لا يغير من حقيقة كونه اعتمد بصفه أساسيه على التحريات وحدها وهى لا تصلح دليلاً منفرداً في هذا الشأن ، مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه ".
الكاتب القانوني عادل الكردسي

الخميس، 9 مارس 2023

القضاء المستعجل حالاته وشروطه

القضاء المستعجل حالاته وشروطه

********************************
القضاء المستعجل – حالاته وشروطه وإجراءاته – دعوى إثبات الحالة – دعوى الحراسة القضائية – الدعاوى الإيجارية المستعجلة – دعوى سماع شاهد – دعوى طرد للغصب – دعوى التمكين – الاختصاص النوعي والمحلي بالقضاء المستعجل – حجية القضاء المستعجل – الإحالة في القضاء المستعجل قاضي الأمور الوقتية – الأمر على عريضة، إجراءاته، والتظلم منه – التفرقة بين القضاء المستعجل وقاضي الأمور الوقتية – ومقارنة بين الأوامر على العرائض وأوامر الأداء

نبذة عن القضاء المستعجل
لا يوجد في القانون تعريف للقضاء المستعجل، وحسبنا أن نذكر أن القضاء المستعجل يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت، فصلا مؤقتاً لا يمس أصل الحق، وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة، أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين.
المختص بالقضاء المستعجل أساساً هو القاضي الجزئي، ولكن ذلك لا يمنع من رفع المنازعة المستعجلة إلى المحكمة الابتدائية، بطريق التبعية لدعوى موضوعية مطروحة أمامها، وهذه صورة من صور الاختصاص المشترك لا تنفي أن لاختصاص الأصلي بالمنازعات المستعجلة معقود للقاضي الجزئي إذا ما رفع النزاع المستعجل إليه على استقلال سواء قبل رفع الدعوى الموضوعية- أو أثناء قيامها أمام محكمة الموضوع.

شروط اختصاص القاضي المستعجل

ويشترط الاختصاص القاضي المستعجل تحقق الشروط الثلاثة الآتية:
الشرط الأول. توافر ركن الاستعجال أو الخطر:
ومعنى ذلك أن تكون المنازعة مما يخشى عليه من فوات الوقت. وقد عرف الاستعجال بأنه هو الخطر المحدق بالحقوق أو المصالح التي يراد المحافظة عليها- وهو يتوافر كلما وجدت حالة يترتب على فوات الوقت حصول ضرر منها يتعذر تداركه أو إصلاحه.
وللخشية من فوات الوقت مظهران:
المظهر الأول: الخشية من زوال المعالم – ومثال ذلك أن يقوم شخص بإغراق أرض جاره بالمياه بعد أن يكون قد أعدها للزراعة – ويرغب صاحب الأرض في إثبات هذه الحالة فوراً- وظاهر أن فوات الوقت يؤدي إلى جفاف المياه وزوال معالم الواقعة التي يريد صاحب الأرض الاستناد إليها في طلب التعويض مستقبلا.
والمظهر الثاني: هو الخشية من فوات المصلحة أو ضياع الحق –كما في حالة المستأجر الذي يترك العين المؤجرة بعد أن يخربها أو يتلفها- فهذه الحالة لا تزول معالمها بمرور الوقت – ولكن يترتب على البطء في إثباتها تفويت حق المؤجر في الانتفاع بالعين أو تأجيرها للغير.
ففي مثل هذه الأحوال يقتضي الأمر اتخاذ إجراء سريع لا يحتمل الإبطاء، ونتيجة لذلك توصف المنازعة بأنها مستعجلة.
وركن الاستعجال أو الخطر يجب أن يتوافر في جميع المنازعات المستعجلة وإلا كان القاضي المستعجل غير مختص بها، ووجب عرض النزاع في شأنها على القاضي الموضوعي إن كان لذلك محل.
ونلاحظ أخيراً في خصوص ركن الاستعجال ملاحظتين:
1- أن الاستعجال ينشأ من طبيعة الحق المتنازع فيه أو من الظروف المحيطة به لا من إرادة الخصوم أو رغبتهم في الحصول على حكم سريع ولا من اتفاقهم على اختصاص القاضي المستعجل.
2- أنه إذا زال الاستعجال أثناء نظر الدعوى فالراجح أن ذلك يزيل اختصاص القاضي المستعجل (وسنعرض لهذه النقطة فيما بعد مرة أخرى).
الشرط الثاني: أن يكون المطلوب في الدعوى المستعجلة هو إجراء وقتي أو تحفظي:
فإذا تضمنت الدعوى المستعجلة طلباً موضوعياً كالحكم بالمديونية أو الملكية أو الحيازة أو البطلان أو الفسخ كان القاضي المستعجل غير مختص بالدعوى (أو على الأقل بالطلب الموضوعي).
إلا أنه يجوز للقاضي المستعجل عندما يعرض عليه طلب موضوعي خارج عن حدود اختصاصه إذا ما قدر أنه ينطوي على طلب وقتي يدخل في اختصاصه أن يغير الطلبات المطروحة في الدعوى بما يتلاءم مع اختصاصه.
وسلطة القاضي المستعجل في تعديل طلبات الخصوم على هذا النحو يعبر عنها في الفقه والقضاء بأن القاضي المستعجل يملك تحوير "الطلبات" وهذا استثناء من مبدأ حياد القاضي الذي يستلزم تقيده بالطلبات المقدمة إليه من الخصوم.
ولكن القضاء استقر على تخويل القاضي المستعجل هذه السلطة- نظراً للطبيعة الخاصة التي يتميز بها اختصاص القاضي المستعجل، وتمشياً مع الأهداف المقصودة من إنشاء هذا النوع من القضاء- وهي تفادي الأخطار المحدقة بمصالح الأفراد أو حقوقهم- خصوصاً وأن القاضي المستعجل لا يقضي إلا بإجراء وقتي ولا يفصل في أصل الحقوق.
وإذا ما تساءلنا عن تأصيل سلطة القاضي المستعجل في تحوير الطلبات نجد أن هذا تطبيق لمبدأ "التحول" في نطاق الطلبات القضائية، فإن من المقرر أن العقد الباطل لتخلف ركن من أركانه إذا تضمن في ثناياه عناصر عقد آخر صحيح فإنه يتحول إلى هذا العقد الصحيح إذا ما تبين أن إرادة المتعاقدين كانت بحيث تتجه إليه. ومثال ذلك أن يبيع شخص لآخر بعقد رسمي عقاراً، ويتبرع له بالثمن، فهذا العقد باطل كبيع، لتخلف ركن الثمن فيه، ولكنه يصح باعتباره هبة ما دامت شروط الهبة متوافرة فيه وهي نية التبرع والرسمية.
فكذلك الطلبات القضائية التي تعرض على القاضي المستعجل إذا ما تبين أن نية المدعي كانت تتجه فيها إلى طلب الحماية الوقتية، فلو طلب المدعي الحكم بأحقيته إلى ملكية عين أو حيازتها (وهذا طلب موضوعي) جاز للقاضي المستعجل أن يحور هذا الطلب إلى طلب وضع العين تحت الحراسة القضائية.
كذلك لو رفعت دعوى بطرد مستأجر من عين معينة وكان ذلك يثير نزاعا موضوعيا، فإنه يجوز للقاضي المستعجل أن يحور طلب الطرد إلى طلب حراسة.
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن يطلب من قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً مستعجلا الحكم ببطلان حجز (وهذا طلب موضوعي) فيمكن حمل هذا الطلب على أن المدعي إنما يرمي إلى التنفيذ لأن من يطلب الأكثر يطلب الأقل.
الشرط الثالث: ألا يكون من شأن الفصل في الدعوى المستعجلة المساس بأصل حق من الحقوق المدعاة من جانب أحد الطرفين:
وعدم المساس بالحق هو شرط لاختصاص القاضي المستعجل وقيد على سلطته في نفس الوقت.
فلو رفعت دعوى مستعجلة تتضمن مساساً بأصل الحق، فإن القاضي المستعجل يجب أن يحكم بعدم اختصاصه بها- ولو توافر ركن الخطر- ما لم يعمد إلى تحوير الطلبات، ومثال ذلك أن ترفع إليه دعوى بطلب إثبات تزوير عقد –فمثل هذا الطلب موضوعي ويمس أصل الحق، فيجب على القاضي أن يحكم بعدم اختصاصه بالدعوى، وإنما يجوز له أن يحكم بالتحفظ على العقد المطعون عليه بالتزوير وذلك فإيداعه في خزينة المحكمة داخل مظروف مختوم، فمثل هذا الإجراء الوقتي يدخل في حدود اختصاصه.

على أنه إذا رفعت إلى القاضي دعوى مستعجلة وتحقق فيها ركن الاستعجال أو الخطر وكان المطلوب فيها إجراء وقتيا أو تحفظيا- ولكن ثار فيها نزاع جدي- يتوقف على الفصل فيه الحكم في الدعوى المستعجلة بالإجراء الوقتي. وكان هذا النزاع الجدي موضوعيا فإن اختصاص القاضي المستعجل يرتفع أو ينحسر في هذه الحالة، ويتعين عليه أن يقضي بعدم الاختصاص.
وقد يعترض على ذلك بأن القاضي المستعجل متى كان مختصاً في البداية فلا يجوز أن يزول اختصاصه بسبب طارئ بعد رفع الدعوى أو أثناء سيرها، ولكن هذا الاعتراض مردود بأن اختصاص القاضي المستعجل يتحدد على مرحلتين:
فهو في المرحلة الأولى ينحصر في الاختصاص بنظر الدعوى.
وهو في المرحلة الثانية يتمثل في الاختصاص بالحكم في الدعوى.
ومتى انتفى اختصاص القاضي في المرحلة الأولى فإن ذلك يستبعد بداهة الانتقال إلى المرحلة الثانية.
أما إذا توافر الاختصاص بالنظر فإننا ننتقل إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الاختصاص بالحكم، فإذا لم يتوافر هذا الاختصاص، وجب على القاضي أن يتوقف وأن يقضي بعدم اختصاصه.
ويتحقق ذلك في صورتين:
أولاهما: أن يزول ركن الاستعجال أو الخطر بعد أن كان متحققا في بداية رفع الدعوى. فإن ذلك يزيل اختصاص القاضي بالحكم فيها-كما لو سدد المستأجر الأجرة أثناء رفع دعوى الطرد المستعجلة فينتفي بذلك الخطر على حقوق المؤجر.
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن ترفع دعوى مستعجلة بإثبات حالة ثم يتغيب المدعى والمدعى عليه فيها فتشطب ولا يجددها المدعى إلا بعد مضي فترة طويلة كفيلة بزوال حالة الاستعجال، فهذا التراخي في الدعوى يزيل الاستعجال.
والصورة الثانية: أن يثور أثناء الدعوى نزاع موضوعي ويكون هذا النزاع جدياً والفصل فيه ضرورياً للحكم في الدعوى.
مثال ذلك: أن ترفع دعوى طرد مستأجر بحجة انتهاء عقد إيجاره أو تكون دعوى الطرد مؤسسة على وجود شرط فاسخ صريح وارد في عقد الإيجار وأن هذا الشرط قد تحقق- فيثير المستأجر نزاعاً موضوعياً حول انتهاء عقد الإيجار أو حول وجود الشرط الفاسخ الصريح أو حول تحققه.
ولكن لا يكفي أن يثور نزاع موضوعي أياً كان حتى يزول اختصاص القاضي المستعجل – وإلا لأمكن للمدعى عليه أن يستبعد الاختصاص المستعجل بإثارة أي نزاع جدياً والفصل فيه لازما للحكم في الدعوى المستعجلة، فإن تبين القاضي من ظاهر الأوراق أن النزاع غير جدي فإنه لا يقضي بعدم الاختصاص، ومن أمثلة ذلك على ما ورد في أحد أحكام محكمة النقض من ادعاء المستأجر بأنه استأجر نفس المكان بعقد جديد من وكيل المالك، إذ يتضح أنه ليست هناك وكالة.
ويلاحظ أخيراً أن اختصاص القاضي المستعجل يختلف عن اختصاص أي قاض آخر لأن المحاكم الموضوعية عندما تجد مسألة أولية في الدعوى (أي مسألة يتوقف عليها الفصل في الدعوى) ، وتكون هذه المسألة خارجة عن اختصاص المحكمة فإنها توقف الدعوى لحين الفصل في المسألة الأولية ويبقى الاختصاص بالدعوى الموقوفة قائماً للمحكمة التي رفعت إليها تلك الدعوى. أما القاضي المستعجل فلا يملك أن يوقف الدعوى لحين الفصل في النزاع الموضوعي –لأن ذلك يزيل ركن الاستعجال ويجعل اختصاصه بعدئذ عديم الفائدة –وإنما يفصل بحسب الظاهر.
مواطن عدم المساس بأصل الحق:
وعدم المساس بأصل الحق كشرط لاختصاص القضاء المستعجل يتمثل في جملة مواطن أن مواضع من الدعوى:
أولها: في الطلبات المعروضة على القاضي: إذ يجب ألا تكون طلبات موضوعية. والطلبات الموضوعية هي التي تتعلق بأصل الحق. ومثالها طلب الحكم بالمديونية أو الملكية أو البطلان أو الفسخ أو براءة الذمة أو سقوط الحق بالتقادم إلى غير ذلك من الطلبات المماثلة.
وثانيها: في بحث المستندات. إذ أن القاضي المستعجل يحكم بحسب الظاهر فلا يجوز له أن يتعمق في بحث المستندات أو أن يقطع في شأنها برأي حاسم أو أن يفسرها سواء كانت عقوداً أو أحكاماً، بل أنه يحكم بحسب ما يبدو له لأول وهلة أو لأول نظرة (أو على حد تعبير محكمة النقض أنه يتحسس المستندات، أي يبحثها بحثاً عرضيا).
فإذا ما تعمق في بحثها أو تطرق إلى تفسيرها فإنه يكون قد جاوز اختصاصه.
وثالث هذه المواضع – هو في تسبيب الحكم: إذ يجب ألا يستند القاضي المستعجل في أسبابه إلى ثبوت الحق أو نفيه بل يجب أن يقتصر على الترجيح بين الاحتمالات دون أن يقطع برأي في أصل الحق، وإلا فإن حكمه يكون مبنياً‌ على أساس فاسد لتجاوزه حد اختصاصه.
ولهذا نجد أن أسباب الأحكام المستعجلة تتردد فيها غالباً عبارة: "وحيث أنه يبدو....." أو "وحيث أن الظاهر من الأوراق أو من الظروف......" فلا يجوز أن يقول القاضي المستعجل: "وحيث أنه قد ثبت....." –لأنه بذلك يكون قد اعتدى على ولاية القاضي الموضوعي ولم يبق شيئاً ليحكم فيه- مع أن القاعدة أن أصل الحق يبقى سليماً محفوظاً يتناضل فيه الخصمان أمام محكمة الموضوع ولا يتأثر بما ورد في الحكم المستعجل
وسنرى أن من نتائج ذلك اعتبار حجية الحكم المستعجل مؤقتة ونسبية بمعنى أنها لا تؤثر على قضاء الموضوع.
والموضوع الرابع: هو في منطوق الحكم: فلا يجوز للقاضي المستعجل أن ينتهي في قضائه إلى تقرير ثبوت الحق أو نفيه أو إلى إلزام أحد الخصمين بأداء حق إلى الآخر بل كل ما يستطيعه هو الحكم بإجراء مؤقت.
وتظل للإجراء الوقتي المحكوم به صفة الوقتية حتى ولو ترتب عليه ضرر دائم أو ضرر يتعذر تداركه كما في حالة الحكم بالطرد مثلا إذ ما شغلت العين التي طرد منها المستأجر، أو الحكم بالهدم إذا ما تم الهدم، ثم تبين بعد ذلك أمام قاضي الموضوع أن من صدر الحكم بالطرد أو الهدم لصالحه لم يكن محقاً في طلبه من الناحية الموضوعية، فإن تعذر إعادة الحال إلى ما كانت عليه ا ينفي أن الإجراء كان مع ذلك وقتياً، مقصوداً به تدارك الخطر العاجل الذي كان ماثلا أما القاضي المستعجل، مع بقاء أصل الحق سليما.
وتترتب على وجوب امتناع القاضي المستعجل عن المساس بأصل الحق نتيجة هامة، هي أنه لا يجوز له أن يحكم بإحالة الدعوى المستعجلة إلى التحقيق أي أن يسمع شهوداً كما لا يحوز له أن يقضي بتوجيه اليمين الحاسمة أو أن يحقق الادعاء بالتزوير، ولهذا فإن القاضي المستعجل لا يصدر أحكاماً تمهيدية بل ينتهي دائماً إلى القضاء بإجراء وقتي بموجب حكم يختتم به الدعوى دون أن تسبقه أحكام تمهيدية.
وإنما أجيز للقاضي المستعجل أن يقضي بالمعاينة أو يندب خبيراً إذا كان من شأنه هذا الإجراء التحقق من توافر ركن الاستعجال أي باعتبار ذلك وسيلة للتحقق من اختصاص القاضي، ومثال ذلك دعوى ترفع بطلب وقف أعمال الهدم أو البناء في عقار مجاور لأن ذلك يهدد عقار المدعى، فيجوز للقاضي أن يعاين أو أن يندب خبيراً للتثبت من أن هذه الأعمال تهدد عقار المدعى، فإذا تبين له ذلك كان مختصاً، وإلا فإن ركن الخطر ينتفي، وينتفي بذلك اختصاصه.
*****
هذه هي الشروط اللازمة لاختصاص القاضي المستعجل، ويلاحظ أن أي شرط منها لا يغني عن الآخر بل لابد أن تتوفر جميعاً. فلو توافر الاستعجال والخطر، وتبين أن هناك مساساً بأصل الحق كان القاضي المستعجل غير مختص مهما بلغت درجة الخطورة. والعكس صحيح بمعنى أنه لو طلب من القاضي إجراء وقتي ولم يكن في ذلك أي مساس بأصل الحق ولكن انتفى الاستعجال فإنه يكون غير مختص.
ويجدر أخيراً أن نكرر الإشارة إلى أنه لا يكفي اتفاق الطرفين على اختصاص القاضي المستعجل لأن اختصاصه من النظام العام فهو لا يتولد من إرادة الطرفين بل من طبيعة الخصومة أو المنازعة والإجراء المطلوب فيها.

كيفية الالتجاء إلى القضاء المستعجل
يلجأ المتقاضون إلى القضاء المستعجل عن طريق رفع دعوى بصحيفة تودع ثم تعلن متضمنة تكليف الخصم بالحضور إلى المحكمة في جلسة تحدد لذلك، وتعقد هذه الجلسة أمام القاضي المستعجل فيدلي فيها كل من الطرفين بدفاعه ويقدم حجته ويطلع كل منهما على مستندات خصمه ويناقشها أو يمكن من الإطلاع عليها ومناقشتها ثم تنتهي الدعوى بحكم مسبب.
وإذا كان المشرع قد قرر بالنسبة لإشكالات التنفيذ طريقاً خاصاً لرفعها تتميز به عن غيرها من المنازعات القضائية –وهو إبداؤها أمام المحضر شفويا عند حضوره لإجراء التنفيذ –فإن ذلك لا يغير من كيفية سير الخصومة بعد ذلك أمام المحكمة إذ أن إبداء الإشكال أمام المحضر يعتبر بمثابة رفع الدعوى فيجب في هذه الحالة دفع رسوم الدعوى إلى المحضر الذي يتعين عليه إثبات ذلك في محضر التنفيذ وتحديد جلسة لنظر الإشكال أمام قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً للأمور المستعجلة - مع تكليف الخصوم بالحضور أمامه في تلك الجلسة - ويعتبر الإشكال مرفوعاً من وقت إبدائه أمام المحضر، فإذا قصر المحضر في رفع الإشكال إلى القاضي عن طريق تحديد جلسة لنظره –جاز للمستشكل تحريك الإشكال بتحديد جلسة وتكليف خصمه بالحضور إليها ولا يعتبر ذلك إشكالا جديداً.

ونرى مما تقدم أن لرفع الدعوى المستعجلة طريقتين (الأولى) هي إعداد صحيفة تودع قلم الكتاب وتعلن مع تكليف الخصم بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم عليه بالطلبات الواردة بالصحيفة، وهذه الطريقة عامة وتتبع بالنسبة لجميع المنازعات المستعجلة – أما الطريقة (الثانية) فهي إبداء المنازعة أمام المحضر عندما تكون هذه المنازعة متعلقة بالتنفيذ أي إشكالا في التنفيذ، وهذه الطريقة خاصة بالإشكالات ولا تتبع بالنسبة لغيرها من الدعاوى المستعجلة، لأنها لا تتسنى إلا في حالة المنازعات المتعلقة بالتنفيذ، التي تقتضي بطبيعتها وجود المحضر في الموقع عند إبداء المنازعة، والتي ترفع إلى قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً للأمور المستعجلة.
ويراعى أن رفع الإشكال بهذه الطريقة الخاصة اختياري إذ يجوز لمن يرغب في أن يستشكل في التنفيذ أن يرفع إشكاله بالطريق المعتاد أي بالصحيفة المقيدة المعلنة.
على أنه حتى لو اتبعت هذه الطريقة الخاصة فإن الدعوى المستعجلة تسير بعد رفعها طبقاً للنظام العادي أي تنظر في جلسة علنية يحضر فيها طرفا الخصومة لإبداء دفاعهما مع مجابهة كل منهما للآخر، وتنتهي الدعوى بحكم مسبب، وفي هذا يختلف عمل القاضي المستعجل عن عمل القاضي الوقتي الذي يلجأ إليه أصحاب الشأن بطلبات تقدم على عرائض ينظرها القاضي في خلوته دون استدعاء الخصوم ودون مواجهتهم وبغير دفاع أو مناقشة أو مجابهة، ثم يؤشر القاضي على العريضة بما يراه من إجابة الطلب أو رفضه أو إجابة جزء منه، وكل ذلك دون أسباب وفي غير جلسة علنية ولا تعتبر التأشيرة التي يذيل القاضي بها العريضة حكما، بل تعتبر أمراً صادراً من القاضي الوقتي بناء على سلطته الولائية.

وقد ثار التساؤل عن معيار التفرقة بين الإجراءات الوقتية التي ترفع بها دعوى مستعجلة والإجراءات الوقتية التي تقدم بها عريضة إلى قاضي الأمور الوقتية –والواقع أن العمل هو الذي يحدد الطلبات الوقتية التي تعرض على القاضي الوقتي وتلك التي تعرض على القاضي المستعجل –ما لم يوجد نص يلزم بالالتجاء إلى أحدهما ويحدد الطريق الواجب الإتباع.
ولهذا ينبغي أن نستعرض تطبيقات عملية للقضاء المستعجل.

تطبيقات عملية للقضاء المستعجل

1- التطبيق الأول: دعوى إثبات الحالة

هي دعوى يقصد منها إلى تهيئة الدليل في دعوى موضوعية مرفوعة فعلا أو سترفع في المستقبل وذلك عندما تحدث واقعة يخشى من زوال معالمها أو من تغيير هذه المعالم بمرور الوقت –ومثال ذلك دعوى إثبات حالة أرض غمرتها المياه قبل أن تنحسر عنها، أو دعوى إثبات حالة حريق أو هدم... الخ.
وفي هذه الأحوال قد يقوم القاضي المستعجل بالمعاينة بنفسه ويحرر بذلك محضراً يثبت فيه ما شاهده في المعاينة. أو يقوم بانتداب خبير لوصف الحالة القائمة، وهذا هو الغالب إذ قلما ينتقل القاضي للمعاينة بنفسه، ومتى تم وصف الحالة القائمة تنتهي الدعوى بذلك ويصدر القاضي حكما بانتهائها.
على أنه إذا قام الخبير تقريراً فمن الجائز مناقشة هذا التقرير والطعن عليه، وقد ينتهي الأمر بتعيين خبير آخر أو بتكليف الخبير نفسه بإكمال عمله إذا تبين أن به نقصاً أو ثمة ما يستدعى استكمالا، وقد ترى المحكمة استدعاء الخبير أمامها لمناقشته في تقريره.
على أن الدعوى تقف على كل حال عند هذا الحد، لأنها تقتصر على تهيئة الدليل، ويحكم القاضي عندئذ بانتهاء الدعوى.
وغنى عن البيان آن الحكم الذي يصدر في مثل هذه الدعوى يجوز استئنافه ويمكن في الاستئناف طلب ندب خبير آخر أو إعادة المأمورية للخبير لاستيفائها كما يمكن طلب مناقشة الخبير. ويشترط في دعوى إثبات الحال توافر ركن الاستعجال، أي أن تكون الواقعة متغيرة المعالم مع مضي الزمن –فإن كانت المعالم قد زالت فعلا- أو كانت من المعالم الثابتة التي لا تزول بمرور الوقت ولا يترتب على مضي الزمن تفويت مصلحة أو حق نتيجة لذلك – فإن ركن الاستعجال ينتفي في هذه الحالة وتخرج الدعوى من مجال اختصاص القضاء المستعجل، ويجب عندئذ أن يطلب إثبات الحال من القاضي الموضوعي عند رفع الدعوى الموضوعية.

2- التطبيق الثاني: دعوى الحراسة القضائية

الحراسة القضائية هي إجراء تحفظي مؤقت يقصد به إلى وضع المال المتنازع عليه منقولا كان أم عقاراً تحت يد شخص أمين يحافظ عليه ويسلمه لمن يثبت أنه صاحب الحق فيه ويكون للحارس إدارة المال واستغلاله إن كان قابلا لذلك –كمنزل يؤجر أو مصنع يدار- ثم يوزع غلته كلها أو بعضها أو يودعها في خزينة المحكمة لتصرف لمن يثبت له الحق فيها.
ويجب لفرض الحراسة أن يكون هناك نزاع جدي على إدارة المال أو على ملكيته أو حيازته كما هي الحال بالنسبة للأموال الشائعة التي تكون مملوكة لجملة أشخاص إذا قام نزاع بين الشركاء المشاعين حول ملكية المال أو إدارته –وكما هي الحال بالنسبة للتركات- وقد وردت في القانون المدني نصوص متعلقة بالحراسة القضائية (أنظر المادة 730 مدني) وتتضمن هذه النصوص وجوب توافر خطر عاجل حتى يقضي بالحراسة. على أن تقدير هذا الخطر أو هذه الضرورة التي تدعو إلى تعيين حارس قضائي أمر متروك للقاضي المستعجل.

ومن صور الحراسة القضائية ما عرض على القضاء المستعجل من تعيين حارس قضائي على المصعد الكهربائي إذا تعطل. أو على جهاز تسخين المياه في إحدى العمارات الكبيرة إذا امتنع المالك عن تشغيله – وقد تفرض الحراسة على مال معنوي كحق المؤلف أو حق شخصي كحق الإيجار أو على مجموع من المال كالمتجر أو التركة، وإنما الذي لأي يجوز هو وضع الحراسة على مجموع الذمة المالية للشخص، أو أن تكون الحراسة وسيلة إلى اقتضاء الديون، أي طريقاً من طرق التنفيذ، فقد جرى القضاء على رفض طلب الحراسة إذا كان الطالب دائناً يرمي من طلبه إلى تحصيل ديونه أو على تنفيذ التزام شخصي عن طريق فرض الحراسة القضائية –لأن الحراسة ليست طريقاً من طرق التنفيذ. كذلك لا يجوز فرض الحراسة إذا كان ذلك يمس حرية الشخص أو كرامته أو إذا كان العمل المطلوب مما لا يمكن أن يقوم به إلا المدعى عليه نفسه كالحراسة على عيادة طبيب أو مكتب محام.
وقد اختلف الرأي في جواز وضع إحدى الكنائس تحت الحراسة القضائية وقضي بعدم جواز ذلك لأن الحارس القضائي لا يمكن أن يقيم الشعائر الدينية في الكنيسة أو أن يعين من يقيمها (وهناك رأي مخالف).
والحراسة القضائية على كل حال لا تفرض بأمر من قاضي الأمور الوقتية بل لابد من صدور حكم بها من القضاء المستعجل لأنها يعتبر منازعة قضائية.
والمحكمة التي تقضي بفرض الحراسة التي تختار الحارس الذي تعينه وهي التي تحدد مأموريته والتزاماته فيجوز لها أن تصرح له بالإدارة منفرداً أو أن تخضعه في ذلك لرقابة معينة أو أن تخوله سلطات محدودة، كما تملك إلزامه بإيداع الربع كله في خزينة المحكمة أو تصرح له بصرفه كله أو بعضه لمستحقيه. وتقترن الحراسة عادة بتكليف الحارس بتقديم كشوف شهرية أو دورية في قلم كتاب المحكمة، مؤيدة بالمستندات.
وإذا خالف الحارس ما ألزمته به المحكمة جاز عزله وتعيين حارس آخر بدله أو تعيين حارس ثان ينضم إليه ليباشر الحارسان معاً مهمة الحراسة ويكون كل منهما رقيباً على الآخر، فالمحكمة المختصة بتعيين الحارس هي المختصة بعزله أو استبداله إذا اعتذر عن قبول المهمة أو توفي أو جد من الأسباب ما يوجب استبداله حتى لو لم ينسب إليه خطأ أو مخالفة، كما لو عين في منصب يتعذر معه قيامه بالمهمة كما يجب.
ويجوز للقاضي المستعجل إنهاء الحراسة وتسليم الأموال الموضوعة تحت الحارسة إلى أصحابها إذا تغيرت الظروف كما لو انتهى النزاع بينهم قضاء أو رضاء أو اشترى أحدهم حصص الباقين فكل ذلك من اختصاص القضاء المستعجل.

3- التطبيق الثالث: المنازعات بين المؤجرين والمستأجرين:
قد تثير هذه المنازعات اختصاص القاضي المستعجل في الحالات التي يتوافر فيها ركن الخطر أو الاستعجال، ومثال ذلك: أن تكون العين المؤجرة في حاجة إلى ترميمات ضرورية، ويرفض المؤجر إجراء هذه الترميمات فيرفع المستأجر دعوى مستعجلة يطلب فيها التصريح له بإجراء الترميمات على نفقة المؤجر تجنباً للخطر الذي ينشأ عن القيام بها –أو أن تكون العين في حاجة إلى ترميم، ويرفض المستأجر إدخال المؤجر لإجرائه فيرفع المؤجر دعوى بطلب تمكينه من الدخول في العين لإجراء الترميمات إذا تبين أن إجراءها يستلزم دخوله – أو يطلب إخلاء المستأجر مؤقتاً من العين أو من جزء منها لحين إجراء الترميمات ... إلى غير ذلك من المنازعات المستعجلة التي يتبين فيها توافر الخطر والاستعجال.
ومن الصور الهامة التي تعرض على القضاء المستعجل في هذا المجال: "دعوى الطرد المستعجلة" التي يرفعها المؤجر على أساس وجود شرط فاسخ صريح في عقد الإيجاز –وعلى أساس تحقق هذا الشرط. وفي هذه الدعوى يجب أن يستوثق القاضي المستعجل من هذه الأمرين (وجود الشرط الفاسخ الصريح- وتحققه) فإذا تشكك في أحدهما وجب عليه أن يتوقف عن الفصل في موضوع الدعوى يمس أصل الحق – وقد رأينا أنه إذا ثار النزاع جدي موضوعي فإن هذا يمنع اختصاص القاضي المستعجل ولا شك في أن المنازعة في وجود الشرط الفاسخ الصريح أو في تحققه متى كانت جدية فإنها تكون منازعة موضوعية تؤدي إلى تخلف شرط الاختصاص المستعجل مما يتعين معه الحكم بعدم الاختصاص.

4- التطبيق الرابع: دعوى سماع شاهد يخشى عليه:
إذا كان نزاع متوقع أو قائم يستدعى سماع الشهود ويتبين أن أحد الشهود مريض بمرض خطير أو أصيب في حادث بحيث يخشى اقتراب منبته، أو أنه على وشك السفر في رحلة بعيدة طويلة المدى فيمكن لمن يريد استشهاد بهذا الشاهد أن يرفع دعوى مستعجلة يطلب فيها سماع أقوال هذا الشاهد أمام القاضي المستعجل بعد حلف اليمين –ويحفظ المحضر الذي تثبت فيه هذه الشهادة ليقدم فيما بعد كمستند في دعوى الموضوع –وتنتهي الدعوى المستعجلة بذلك، وقد نص المشرع على هذه الدعوى بنص خاص (المادة 222 مرافعات) ولولا وجود هذا النص لما أمكن أن يختص بها القاضي المستعجل أو أن تكون مقبولة.
وقد اشترط المشرع في هذا الصدد أن تكون الواقعة مما يجوز إثباته بشهادة الشهود وأن يتحقق القاضي من وجود ضرورة تدعو إلى ذلك كالخوف على حياة الشاهد أو تعرضه للمخاطر أو سفره في رحلة قد لا يعود منها إلا بعد فوات الأوان أو قد لا يعود منها أبداً.

5- التطبيق الخامس: دعوى طرد الغاصب
يختص القاضي المستعجل بطرد الغاصب، وهو من يضع يده على عقار مملوك لسواه أو يحوزه سواه دون أن يكون له في ذلك سند قانوني، ووجه اختصاص القضاء المستعجل في هذه الحالة هو أن الغصب في حد ذاته يشكل خطراً على حقوق المالك تنبغي المبادرة على إزالته على أساس أن القضاء المستعجل يختص دائماً برد العدوان البادي على الحقوق وبإزالة العراقيل المادية التي تحول بين المرء وحقه.
والواقع أن الغضب قد يترتب عليه تفويت مصلحة المالك في الانتفاع بملكه على الوجه الذي يراه، وقد يؤدي استمرار الغصب –على كل حال- إلى اكتساب الغاصب لصفة الحائز، ولذلك تعتبر دعوى طرد الغاصب من الدعاوى المستعجلة، ولكن ينبغي فيها ثبوت حق المدعى وأن يفتقر المدعى عليه إلى السند القانوني الذي يبرر وضع يده. فإذا ادعى المدعى عليه أنه يضع يده بناء على سند قانوني ووجد القاضي أن ادعاؤه هذا لا يقوم على أساس من الجد حكم بطرده، أما إذا كان لهذا الادعاء أساس جدي ولو في الظاهر فإن القاضي المستعجل يحكم عندئذ بعدم اختصاصه لأن خوضه في بحث سند المدعى عليه في وضع يده يمس بأصل الحق، وبعبارة أخرى أنه لا يكفي أن تقوم من جانب المدعى عليه منازعة في هذا الشأن حتى يمتنع على القاضي المستعجل نظر الدعوى وإلا لكان معنى هذا ألا يختص القضاء المستعجل بطرد أي غاصب أبداً إذ يكفي الغاصب أن يثير أية منازعة ولو كانت واهية لكي يستبعد اختصاص القضاء المستعجل. وإنما يجب أن تكون هذه المنازعة ظاهرة الجد معززة بالدليل.

ويختص القضاء المستعجل بطرد الغاصب إذا لم يكن له سند أصلا في وضع يده أو إذا كان له سند قانوني وزال. لأن زوال السند يجعل وضع يده غصبا. ومثال ذلك أن يشتري شخص عقاراً ويتسلمه ثم يفسخ عقد البيع أو يقضي ببطلانه ويستمر المشتري واضعاً اليد على العقار. ولذلك يختص القضاء المستعجل بطرد المستأجر إذا انتهى عقده بالفسخ أو بأي سبب آخر من أسباب الانقضاء.
ويحكم أيضاً بطرد الغاصب ولو استند إلى إجراء أتضح أنه غير قانوني ومثال ذلك أن يستولى الغاصب على العقار بموجب حكم صادر ضد شخص آخر غير مالك العقار أو حائزه. لأن هذا الأسلوب الملتوي في سلب الحيازة يجعل من حق الحائز للعقار ولو لم يكن مالكا أن يطلب طرد من اغتصب الحيازة منه بهذه الطريقة.
فدعوى طرد الغاصب إذن لا يشترط أن يكون رافعها مالكا للعقار بل يكفي أن يتحقق فيه صفة الحائز أي أن تتوافر له الشروط القانونية اللازمة لاعتباره حائزاً بالمعنى القانوني.
وقد قيل بأنه يجب أن يتوفر في دعوى طرد الغاصب ركن الاستعجال ولكننا نعتقد أن ركن الاستعجال متوافر دائماً كلما تحققت حالة الغصب لأن العدوان على الحق يخلق حالة الخطر ولا يمكن اعتبار السكوت على الغصب فترة من الزمن إقراراً للغصب لأن استمرار الغصب يؤدي إلى تزايد الخطر، ويكفي لتوافر الاستعجال أن يقرر المدعي أنه في حاجة إلى الانتفاع بالعقار ولو كانت رغبته في الانتفاع به قد استجدت وقت رفع الدعوى. ولذلك فإن الاستعجال هنا قائم دائماً وتفرضه ظروف الدعوى نفسها لأن الغصب عدوان ومن وظيفة القاضي المستعجل أن يمنعه وأن يمنع استمراره فلا يزيل ركن الاستعجال إلا أن يكون المغتصب قد انقلب حائزاً بالمعنى القانوني متى توافرت له الشروط اللازمة لوصف وضع يده بأنه حيازة.

6- التطبيق السادس: دعوى التمكين:
يقصد بدعوى التمكين الدعوى التي ترفع لرد الحال إلى ما كانت عليه ومثالها أن يصدر حكم بطرد مستأجر ويتم تنفيذ هذا الحكم ولكن المستأجر يتوصل على إلغائه عن طريق الطعن عليه بالاستئناف مثلا ويصدر حكم الإلغاء بوقف تنفيذ حكم الطرد، فيتقدم المستأجر على القاضي المستعجل طالبا الحكم بتمكينه من العودة إلى شغل المكان الذي طرد منه.
ومثال ذلك أيضاً أن يقضي بهدم مسقى ويتم تنفيذ الحكم وهدم المسقى ولكن يلغي الحكم بعد ذلك استئنافياً فيتقدم المنتفع بالمسقى إلى القضاء المستعجل بطلب تمكينه من إعادة الحال إلى ما كانت عليه أي بإعادة حفر المسقى التي هدمت.

وما يقال بالنسبة لإلغاء الحكم في الاستئناف يقال أيضاً بالنسبة لنقض الحكم إذا ما طقن عليه بطريق النقض وقررت محكمة النقض قبول الطعن ونقض الحكم. ويصدق ذلك أيضاً في حالة صدور حكم مشمول بالنفاذ رفع طلب بوقف نفاذه فبادر صاحب المصلحة إلى تنفيذه ثم صدر الحكم بوقف تنفيذه مما يؤدي إلى عدم الاعتداد بما تم من أعمال التنفيذ وإلى اعتبار هذه الأعمال عدوانا أو أعمالا مادية ليس لها أثر قانوني، ما دامت قد تمت أثناء نظر طلب وقف النفاذ وهو ما يقتضي إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ.

وتسمى هذه الدعوى عملا دعوى التمكين. والغرض منها هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه، ما دام. ذلك ممكناً، كما لو كانت العين (التي طرد منها المستأجر في مثالنا السابق) لم تشغل بعد أو شغلها المالك نفسه الذي حصل على حكم الطرد. أما إذا تم تأجير العين لشخص آخر، فلا يجوز في هذه الحالة الحكم بالتمكين لن الغير قد تعلق له بها حق. فالحكم بالتمكين يؤدي إلى المساس بحق ذلك الغير، ومن ثم لا يكون القضاء المستعجل مختصا بالدعوى في تلك الحالة حتى لو ادعى طالب التمكين بصورية حق ذلك الغير أو بأنه متواطئ مع المالك للإضرار بحقوقه، لأن البت في أمر الصورية أو الغش يعتبر فصلا في أصل الحق فلا يملكه إلا قاضي الموضوع.
وتشتبه دعوى التمكين بدعوى طرد الغاصب في حالة ما إذا توصل شخص إلى الاستيلاء على عقار ووضع يده عليه بطريق الحيلة أي عن طريق تنفيذ حكم صادر على غير المستأجر أو على غير الحائز، فترفع الدعوى هنا على من قام بتنفيذ ذلك الحكم، بتمكين المستأجر أو الحائز من العودة إلى العقار أي إعادة وضع يده عليه. ولكن دعوى التمكين تستعمل غالبا في حالة إلغاء الأحكام بعد تنفيذها فيكون الغرض منها هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ، على اعتبار أن ما تم من أعمال التنفيذ لا يعدو أن يكون أثراً من آثار الحكم الملغي فيزول بزواله وتهبط تلك الأعمال إلى مستوى الأعمال المادية أو تعتبر عملا من أعمال القوة التي يختص القضاء المستعجل دائما بردها ومنع استمرارها الذي يؤدي إلى تزايد الضرر الناشئ عنها بمضي الوقت، فهي إذن من الحالات التي يخشى عليها من فوات الوقت، وبهذه المثابة يختص بها قاضي الأمور المستعجلة (العادي) كما أن من الممكن أن يقال بأنها تعتبر من إشكالات التنفيذ، على تقدير أن تنفيذ حكم الإلغاء يقتضي إلغاء إجراءات تنفيذ الحكم الملغي – وهو ما يسمى أحياناً في العمل باسم "التنفيذ العكسي" وعلى أساس هذا التخريج يمكن إسناد الاختصاص بدعوى التمكين في هذه الحالة إلى قاضي التنفيذ.

الاختصاص النوعي والمحلي للقاضي المستعجل
أولا: الاختصاص النوعي:
القاضي المستعجل هو قاض جزئي. وتستأنف أحكامه على المحكمة الكلية. ولكن المشرع قرر أنه في المدن التي توجد بها محكمة كلية يندب أحد قضاة المحكمة الكلية لنظر المنازعات المستعجلة (الخاصة بهذه المدينة) ويباشر عمله في مقر المحكمة الكلية. ولكن هذا لا يؤثر في طبيعة اختصاص القاضي المستعجل، لن وجوده في مقر المحكمة الكلية لا ينفي أنه قاض جزئي، أما تجميع المنازعات المستعجلة التي تثور في سائر أنحاء المدينة أمامه فهو ليس غلا توزيعا للعمل بحسب المكان أي أنه يتعلق بالاختصاص المكاني أو المحلي لا بالاختصاص النوعي، وكل ذلك لا يؤثر على طبيعة عمله وأنه يباشر ولايته بصفته قاضياً جزئياً.
أما في خارج دائرة المدينة التي بها مقر المحكمة الكلية فلا شبهة، لأن الاختصاص بالمنازعات المستعجلة مسند إلى المحكمة الجزئية بنص المادة 45 مرافعات فقرة (2).
على أنه يراعى أن المنازعة المستعجلة قد ترفع بطريق التبعية لدعوى موضوعية قائمة أمام محكمة الموضوع التي قد تكون محكمة ابتدائية، وتستأنف أحكامها – (سواء أكانت صادرة في موضوع الدعوى أو في الطلب المستعجل المقترن بها والتابع لها) – إلى محكمة الاستئناف العليا.

وفي هذه الحالة يثور التساؤل عما إذا كان ذلك يؤثر على الاختصاص النوعي بالمنازعات المستعجلة بمعنى أن يعتبر قضاء الأمور المستعجلة قضاء نوعياً له طبيعة خاصة تجعله تارة مسنداً للقاضي الجزئي وتارة إلى المحكمة الكلية.
والجواب على ذلك أن هذه صورة من صور الاختصاص المشترك لا تؤثر في القاعدة الأصلية وهي أن النزاع المستعجل إذا رفع مستقلا فإنه يرفع على القاضي الجزئي، سواء أكانت هناك دعوى موضوعية قائمة أو لم تكن، وسواء أكانت ام لم تكن