بطلان القسمة في اثناء حياة المورث في القانون اليمني
القسمة في القانون اليمني
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
القسمة في اثناء حياة المورث تثير جدلاً واسعاً في اليمن من حيث مدى جوازها ولزومها، ويرجع سبب ذلك إلى أن قانون الأحوال الشخصية لم يكن موفقاً في تنظيمه لهذا الموضوع الشائك والمتداخل مع غيره، وقد سبق لنا نشر بحث بحكم في مجلة (جيل) اللبنانية للأبحاث المعمقة في هذا الموضوع تناولنا فيه هذا الموضوع تفصيلاً ، ولأهمية هذا الموضوع وكثرة الاحتياج له فان هناك بعض جوانب هذا الموضوع تحتاج إلى ايضاح ، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/4/2010م في الطعن الشخصي رقم (38123) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم انه : تقدمت ثلاث اخوات بدعواهن ضد اخوهن الذكر الوحيد وذلك أمام المحكمة الابتدائية حيث طلبن في دعواهن بقسمة تركة والدهن ،وقد دفع المدعى عليه شقيقهن بعدم سماع الدعوى لسبق القسمة في حياة المورث والدهن فقد تمت تلك القسمة بنظر وبخط القسام ...، فردن المدعيات على ذلك الدفع بأن تلك القسمة باطلة لأنها تمت في حياة المورث والدهن، وسارت المحكمة في إجراءات نظر القضية حتى خلصت الى الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى والحكم بقبول الدعوى المرفوعة من المدعية وبطلان القسمة الواقعة في اثناء حياة المورث وإعادة قسمة التركة وإلزام المدعى عليه بدفع مصاريف التقاضي، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي (أنه تبين من خلال الاطلاع على الفصول التي تمت القسمة بموجبها انها لم تكن بشكل قانوني أو شرعي بل كانت بشكل عشوائي حسب هوى المورث وارادته في تفضيل ولده الذكر .... على اخواته الاناث المدعيات كما هو ثابت من خلال شهادة القسام نفسه) فلم يقبل الأخ بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه وقد ذكر المستأنف في عريضة استئنافه أن المدعيات قد حضرن عملية القسمة اثناء حياة المورث وان تلك القسمة تم تعميدها من قبل رئيس المحكمة الابتدائية المختصة، الا ان محكمة الاستئناف قضت بتعديل الحكم الابتدائي بحيث تعاد قسمة ثلثي التركة على جميع الورثة أما الثلث فيكون للولد المستأنف مقابل الغرامات التي دفعها في سبيل المحافظة على اموال التركة واصلاحها، فلم يقبلن الاخوات المدعيات بالحكم الاستئنافي فقمن بالطعن فيه بالنقض، فقبلت الدائرة الشخصية الطعن وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة أن الحكم بإعادة القسمة الشرعية موافق للشرع والقانون عدا ما قضت به الشعبة بتجنيب الثلث من التركة الأمر الذي يتعين معه نقض الحكم في هذه الجزئية لان القسمة وقعت في اثناء حياة المورث ولم يتعقبها اجازة الورثة بعد وفاة مورثهم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم على النحو الاتي:
الوجه الأول : موقف الفقهاء من قسمة الشخص لماله في اثناء حياته :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أربعة أقوال، القول الأول : يذهب إلى عدم جواز هذه القسمة لأن الارث فرائض افترضها الله سبحانه وتعالى وقررها فهو الذي حدد وقتها بعد موت المورث فالقسمة في اثناء حياة الشخص مخالفة للوقت الذي حدده المشرع تبارك وتعالى، اما القول الثاني : فقد ذهب الى جواز ذلك شريطة أن تتم القسمة كقسمة الميراث تماماً ، في حين ذهب القول الثالث : الى جواز هذه القسمة على ان يتم ذلك على سبيل العطية والهبة وليس على أساس الارث فتتم المساواة بين الاولاد ذكوراً واناثاً في هذه القسمة باعتبار ذلك عطية يتساوى فيها الاولاد ذكورا واناثا، وقد ذهب القول الرابع : الى كراهة هذه القسمة جمعاً بين ادلة الحظر وادلة الاباحة ونحن نرجح القول الثالث لمناسبته في العصر الحاضر وللدوافع التي تدفع الاشخاص الى تقسيم اموالهم في اثناء حياتهم بين الورثة المحتملين.
الوجه الثاني : موقف القانون اليمني من قسمة الشخص لماله اثناء حياته :
مع ان القانون المدني نظم قسمة الأموال بين الورثة والشركاء على الشيوع في المواد من (1197) الى (1223) إلى أن هذه النصوص لم تتناول هذا الموضوع، اما قانون الاحوال الشخصية فقد تضمنت بعض نصوصه اشارات الى قسمة الشخص لماله اثناء حياته، وقد خلط فيها القانون بين أحكام الميراث والعطية والهبة والوصية، فقد نصت (183) أحوال شخصية على أنه(تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الاولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) والهبة ومشتبهاتها تقع في اثناء حياة المورث وفقاً للمادة (168) أحوال شخصية، وعند امعان النظر في المادة (183) السابق ذكر نصها نجد أنها قد اجازت قسمة المال في اثناء حياة المورث شريطة ان يتم ذلك طبقاً لأحكام الميراث وبهذا يكون القانون قد اخذ بقول العلماء الذين ذهبوا الى جواز قسمة الشخص لماله في اثناء حياته وفقاً لأحكام الميراث، ومع ان القانون قد ذهب الى جواز القسمة في اثناء حياة المورث الا انه قرر في المادة (186) ان القسمة في هذه الحالة يكون حكمها حكم الوصية فلا تكون القسمة نافذة الا بعد وفاة الشخص حيث نصت المادة (186) على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية الا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً) وبالإضافة الى ذلك فقد قرر قانون الاحوال الشخصية الا ان هذه القسمة باعتبار هبة ووصية لوارث فإنها لا تكون نافذة الا اذا اجازها بقية الورثة بعد وفاة مورثهم وليس في اثناء حياته حسبما ورد في المادة (234).
الوجه الثالث : موقف الحكم محل تعليقنا من قسمة الشخص لماله بين ورثته في اثناء حياته :
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى ببطلان القسمة في اثناء حياة المورث وذلك في القضية التي فصل فيها ، وقضاؤه سديد لان القسمة لم تتم بحسب الفرائض الشرعية كما انها لم تكن بالتساوي بين الورثة بحسب الفرائض الشرعية حيث خصص الوالد غالب ماله لابنه الوحيد وهضم البنات المدعيات إضافة إلى ان الورثة لم يجيزوا هذه القسمة بعد وفاة والدهم بل انهم تنازعوا حتى قمن البنات برفع دعوى بطلان تلك القسمة كما ان الولد الوحيد لم يستهلك حقيقة أو حكماً المال الذي آل اليه بموجب تلك القسمة حيث ظل ذلك المال تحت يد الولد الذكر حتى بعد وفاة والدهم وحتى وقت رفع البنات لدعواهن فقد ظل هذا المال موجودا لدى الولد فلم يستهلك ذلك المال حقيقة أو حكماً في اثناء حياة المورث، وبناء على ذلك فان قضاء الحكم محل تعليقنا سديد موافق لنصوص قانون الاحوال الشخصية مع تحفظنا على خلط القانون للمفاهيم فيما بين القسمة والهبة والعطية والوصية على النحو السابق بيانه،والله اعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق