السبت، 3 يونيو 2023

بطلان الحكم لتناقض منطوقة

 


















بطلان الحكم لتناقض منطوقة 




 بطلان الحكم لتناقض منطوقه من النظام العام

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
قضى الحكم محل تعليقنا بأن تناقض منطوق الحكم مع بعضه من النظام العام الذي يجعل المحكمة تتصدى له من تلقاء ذاتها حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-8-2015م في الطعن رقم (56915)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والدائرة بعد الرجوع إلى مشتملات ملف القضية وجدت ان ما نعاه الطاعن في عريضة طعنه من الحكم المطعون فيه أن الحكم قبل الاستئناف مع ان الحكم غير منه للخصومة وتجاهل دفعه، والدائرة تجد ان هذا النعي غير سديد ولا محل له، ذلك ان الحكم الابتدائي قد فصل في الموضوع غير أن الحكم الاستئنافي اخطأ في منطوقه الذي شابه التناقض بين البندين أولاً الذي قضى برفض الدفع بعدم قبول الاستئناف لان الحكم الابتدائي غير منه للخصومة في حين قضي في الفقرة الرابعة بإعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية لتطبيق المستندات والفصل فيها بحكم منه للخصومة، وهو ما اقتضى نقض الحكم جزئياً لتعلقه بالنظام العام))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: تناقض منطوق الحكم في قانون المرافعات:

نصت المادة (231) مرافعات على أنه: (أ- يجب ان تكون الأحكام مسببة وإلا تتناقض الأسباب مع بعضها أو مع المنطوق وإلا كانت باطلة)، فهذا النص صرح بأن تناقض الأسباب مع المنطوق يجعل الحكم باطلاً، لأن الأسباب يجب أن تكون سائغة تفضي إلى نتيجة الحكم وهي المنطوق فلا تتناقض معه، فإذا كان هذا الأمر مقررا بالنسبة لتناقض الأسباب مع المنطوق، فإن تناقض فقرات منطوق الحكم مع بعضها أكثر خطورة من تناقض الأسباب مع المنطوق، لأن الحكم هو المنطوق، فتناقض منطوق الحكم مع بعضه يؤدي إلى تعطيل تنفيذ الحكم وتخلف الغاية التي ابتغاها المشرع من القضاء وهي الفصل في النزاعات وحسمها باحكام جازمة قابلة للتنفيذ ، ولذلك فقد نص القانون على ان تناقض فقرات منطوق الحكم مع بعضها من حالات إلتماس إعادة النظر في الحكم حيث نصت المادة (304) مرافعات على أن: (إلتماس إعادة النظر في الأحكام طريق استئنافي للطعن فيها لا يجوز للخصوم اتباعه إلا عند تحقق الحالات الآتية: -8- إذا ظهرعند تنفيذ الحكم تناقض بعض منطوقه مع البعض الآخر).

الوجه الثاني: تقرير البطلان في تناقض منطوق الحكم مع بعضه:

سبق القول ان المادة (231) مرافعات صرحت بأن تناقض أسباب الحكم مع منطوقه يبطل الحكم، غير أن هذا النص لم يصرح بأن تناقض منطوق الحكم مع بعضه يبطل الحكم، ومع ذلك قضى الحكم محل تعليقنا بأن تناقض منطوق الحكم مع بعضه مبطل للحكم، ويستدل للحكم محل تعليقنا بالمادة (48) مرافعات التي نصت على أنه: ( يقع باطلاً كل إجراء اغفل أو جاء مخالفاً لغرض جوهري)، فالغرض من الحكم الوصول إلى منطوق منسجم يحسم الخلاف، ويجعل الحكم قابلا للتنفيذ ، فتناقض فقرات منطوق الحكم توهن الحكم وتجعله غير حاسم فتتخلف الغاية التي استهدفها القانون من الحكم وهو الجزم والحسم وإنهاء النزاع باحكام قابلية للتنفيذ، وفي هذا المعنى نصت المادة (49) مرافعات على أنه: (يقع باطلاً كل إجراء مشوب بعيب لم تتحقق منه الغاية المطلوبة).
الوجه الثالث: النظام العام وتناقض منطوق الحكم مع بعضه:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن تناقض منطوق الحكم مع بعضه يجعله باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام، ولذلك تصدى الحكم محل تعليقنا لمعالجة التناقض بين فقرتي منطوق الحكم الاستئنافي المتناقضتين حيث كانت الفقرة الثانية من المنطوق تقضي برفض الدفع بعدم قبول الاستئناف كون الحكم المستأنف فيه غير منه للخصومة حيث توصل الحكم الاستئنافي إلى أن المحكمة الابتدائية قد فصلت في الموضوع، وهذه الفقرة تناقض الفقرة الرابعة التي قضت بإرجاع الملف إلى محكمة أول درجة لتطبيق مستندات الطرفين والفصل في القضية بحكم منه للنزاع ، فمنطوق الحكم متناقض مع بعضه، فكيف قضى الحكم الاستئناف في الفقرة الثانية برفض الدفع بعدم قبول الاستئناف لأن الحكم الابتدائي قد فصل في الموضوع وأنهى النزاع ثم قضى الحكم الاستئنافي في الفقرة الرابعة بإرجاع القضية إلى محكمة أول درجة لتطبيق مستندات الطرفين والفصل في القضية بحكم منه للنزاع ، وقد أشار الحكم محل تعليقنا بأن المحكمة الابتدائية كانت قد فصلت في الموضوع غير أن حكمها كان معلقاً، ولاشك بأن اجتهاد الحكم محل تعليقنا سديد حينما قضى بان بطلان الحكم بسبب تناقض منطوقه مع بعضه بطلان متعلق بالنظام العام، لأن هذا التناقض يعطل تنفيذ الحكم المتناقض منطوقه وفي الوقت ذاته يعطل الغاية من إنشاء السلطة القضائية التي تهدف في الأصل إلى حسم النزاعات بأحكام سليمة قابلة للتنفيذ، حتى تأتي الأحكام القضائية ثمارها المرجوة ، والله اعلم .
اسباب بطلان الحكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق