دعوى الملك المدنية في القانون اليمني
دعوى الملك المدنية لا توقف الدعوى الجزائية بالاعتداء على ملك الغير
✒️ القاضي مازن امين الشيباني
⏺️ يذهب كثير من رجال القانون الى القول انه اذا رفعت النيابة العامة قرار اتهام
ضد شخص بالاعتداء على ملك الغير وقام المتهم برفع دعوى مدنية بأنه مالك للمال محل
قرار الاتهام يذهبون الى القول انه يتعين على القاضي الجزائي وقف نظر الدعوى
الجزائية حتى يتم الفصل في الدعوى المدنية
وبرأيي هذا القول محل نظر ويجانب الصواب للاسباب الآتية
1️⃣ لا يجوز لمن يدعي الملك ان يذهب ويعتدي ليأخذ حقه بنفسه لمجرد انه يدعي ان
المال ملكا له طالما انه بحيازة الغير
فلا يجوز لأي شخص يوهم نفسه ان الارض الفلانية ملكا له يذهب يعتدي عليها بناء على
اوهام انها ملكه
فلو كل مدعي ملك يجوز له يأخذ حقه بيده فلا داعي للمحاكم ولا للقانون ولا للقضاة
فليس من قال حقي أخذ حقه بيده
وليست كل دعاوى الملك صحيحة
لذلك اذا قام انسان بالإعتداء على ارض بحيازة الغير بحجة انه يظن انها ملكه فان
جريمة الاعتداء على ملك الغير تقوم بحقه حتى لو ذهب يرفع دعوى بالملك بعد ذلك
فالجريمة تبقى قائمة بحقه
وحتى لو صدر له حكم ان الارض ملكه
فالجريمة تظل قائمة ويعاقب عليها بصرف النظر عما سيثبت في المستقبل هل الارض ملكه
او ليست ملكه
فطالما انه اعتدى عليها وهي بحيازة الغير حيازة ملك وثبوت وليس حيازة انتفاع
فالجريمة تقوم بحقه
لذلك نصت المادة (1117) من القانون المدني انه ليس لمدعي الملك ان ينزع يد الحائز
الا عن طريق القضاء او برضاء الحائز
ولنفس السبب نصت المادة ٣٩٣ من قانون الاجراءات الجزائية انه ((ليس للحكم الصادر
في المواد المدنية قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للمسائل الجزائية فيما يتعلق
بوقوع الجريمة ونسبتها الى فاعلها ))
ولنفس السبب نصت المادة (292) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه ((لا يكون
للحكم الجزائي البات الصادر في المواد الجزائية في موضوع الدعوى بالبراءة أو
بالإدانة قوة الشيء المحكوم به في المواد المدنية بالدعاوى التي لم يكن قد فصل
فيها نهائياً...))
والنصان السابقان يعنيان أنه إذا أدين شخص بحكم جزائي بجريمة الاعتداء على ملك
الغير فلا يعني ذلك نهائياً أنه ليس مالكا للمال الذي أدين بالاعتداء عليه،
وبالمقابل إذا صدر لشخص حكم مدني يقضي بملكيته لمال فإن ذلك لا يعني انتفاء جريمة
الاعتداء على ملك الغير بحقه التي أدين بها بحكم جزائي، فيجوز أن يكون مدان
بجريمة الاعتداء وبنفس الوقت يستصدر حكم أن الأرض مملوكة له.
وهذا يعني انه اذا أدين شخص بجريمة الاعتداء على ملك الغير ثم صدر له حكم من
القضاء المدني يقرر ملكيته على المال المعتدى عليه فان الحكم المدني لا يعتبر حجة
بما يتعلق بالجريمة وبنسبتها لفاعلها فيظل الحكم الجنائي قائم ولا يقلل من حجيته
ويظل المالك الذي صدر له حكم مدني يقرر ملكيته يظل مستحقاً للعقوبة المحكوم بها
لأنه أراد أن يأخذ حقه بيده من يد شخص حائز حيازة هادئة مستقرة.
ولذلك قضت المحكمة العليا في حكمها الصادر بتاريخ 25/3/2007م في الطعن رقم
(27730) لسنة 1428هـ ان مجرد الادعاء بالملك لا يجيز الاعتداء وعلى مدعي الملك ان
يحصل اولا على حكم قضائي من جهة القضاء المدني يقرر له الملك وعليه ان يسلك الطرق
القانونية في تنفيذه وقد جاء في هذا الحكم قوله ((ومتى ثبت للقاضي الجزائي حيازة
(س) من الناس لأرض متصرفاً عليها تصرف المالك وأن (ع) من الناس أضر بهذه الأرض
فإن جريمة الاعتداء على المال تكون قد تحققت وليس للقاضي الجزائي أن يبحث في
ادعاء (ع) أنه المالك الحقيقي للأرض، إذ أن عليه أن يحصل أولاً من جهة القضاء
المدني على حكم بعدم أحقية المجني عليه في وضع يده على الأرض فإذا حصل على ذلك
كان عليه اللجوء الى السلطات الرسمية المختصة لتمكينه من حقه)) القاعدة رقم 82 من
مجموعة القواعد القانونية والمبادئ القضائية الصادرة عن المكتب الفني بالمحكمة
العليا العدد التاسع صـ 233
وهذا الحكم يعني حتى لو أن المتهم لديه حكم قضائي يقرر أن الأرض مملوكة له فلا
يجوز له الاعتداء عليها وانما عليه أن يطلب تنفيذ الحكم بالطرق القانونية، فلو
قام كل شخص بأخذ حقه بيده لاضطرب المجتمع وسادت فيه الفوضى.
2️⃣ ان جريمة الاعتداء على ملك الغير تقوم بمجرد ثبوت حيازة المجني عليه حيازة
هادئة مستقرة دون معارضة من الغير وكانت حيازته حيازة ملك وثبوت لا حيازة
انتفاع...
فاذا كان لدى المتهم مستندات تثبت ملكيته فإن عليه رفع دعوى قضائية مدنية
امام القضاء المدني وليس القيام بأخذ حقه بيده الا اذا ثبت ان حيازة المجني عليه
ليست حيازة ملك وثبوت بل حيازة انتفاع كأن يثبت المتهم ان المجني عليه مجرد
مستأجر منه او مجرد مستعير فلا تقوم الجريمة بحق المتهم لأن حيازة المجني عليه
هنا (الأجير) حيازة لمصلحة المالك المؤجر فيعتبر المالك هو الحائز.
فإذا أجر شخصا أرضاً لآخر وقام الأجير بزراعتها بالقات مثلاً ثم قام المؤجر بعد
فترة بقلع القات فلا تقوم جريمة الاعتداء على عقار بل تقوم جريمة اتلاف النبات
المملوك للمستأجر وتنحصر الجريمة هنا في النبات فقط بشرط أن يكون المستأجر هو من
قام بزراعتها أما اذا كان النبات مملوكاً للمؤجر فلا جريمة.
وجريمة الاعتداء على ملك الغير تقوم في المقام الاول على اساس حيازة المجني عليه
لأن الحيازة الهادئة والمستقرة هو أول مظهر من مظاهر الملك، ولذلك نصت المادة
(1111) من القانون المدني اليمني بقولها (( من كان حائزاً لشيء أو حق اعتبر
مالكاً له ما لم يقم الدليل على غير ذلك )) والدليل لابد أن تسبقه دعوى فلا يكون
الدليل مجرداً عن دعوى، وبقراءة هذا النص وربطه مع نص المادة (1117) من نفس
القانون السابق الإشارة اليها يتبين بجلاء أن يد الحائز لا يجوز رفعها من قبل
مدعي الملك الا عن طريق واحد فقط لا غير وهو أن يقوم مدعي الملك برفع دعوى مدنية
ضد الحائز يدعي أنه المالك ويطلب رفع يد الحائز باعتباره غاصباً ويقيم الدليل على
ذلك بحيث يكون الدليل أقوى من قرينة الحيازة وبعد أن يصدر له حكم من جهة القضاء
المدني عليه أن يتبع إجراءات تنفيذه بالطرق القانونية، فإذا خالف ذلك وقام
بالاعتداء على ما بحيازة الغير تقوم جريمة الاعتداء على ملك الغير لأن الحائز
يعتبر مالك حتى هذه اللحظة، ستأتي وتقول أنا معي مستندات تثبت ملكيتي، ببساطة أن
الحيازة قرينة قانونية على الملك، والقرينة القانونية لا تنقض الا بحكم،
فمستنداتك التي لا يؤيدها حكم لا تبرر لك القيام بالاعتداء على ما بحيازة الغير.
لذلك لا تعتبر مسألة الملكية وبحثها من المسائل الأولية التي يجب الفصل فيها قبل
الفصل في الدعوى الجزائية طالما وقد ثبتت حيازة المجني عليه فلا ينظر ادعاء
المتهم الملك بل يفصل القاضي في الدعوى الجزائية بناءً على حيازة المجني عليه
بشرط أن تتحقق جميع شروط الحيازة المنصوص عليها في المادة (1104) من القانون
المدني وهي القصد – قصد التملك – والمجاهرة – وعدم اقترانها بإكراه – الاستمرار
والاستقرار - وأن تكون علنية غير خفية لها مظاهر خارجية تدلل عليها.
وإذا قام المتهم برفع دعوى ملك مدنية أمام القاضي المدني وطلب من القاضي وقف
إجراءات الدعوى الجزائية المقامة عليه فلا يكون طلبه مقبولاً وعلى القاضي الفصل
في الدعوى الجزائية بعد بحث واثبات حيازة المجني عليه.
إلا أن هناك نقطة غاية في الأهمية، وهي انه يجب علينا أن نعرف أن هذه المسألة
نسبية ومرنة، فمثلاً إذا لم تكن هناك دعوى مدنية في الملك منظورة أمام القاضي
المدني فإن القاضي الجزائي يجوز له أن يبحث مسألة الملكية إذا كانت حيازة المجني
عليه أو المتهم لا زالت حديثة عهد، فعلى سبيل المثال اذا قام (س) من الناس بحراثة
أرض زراعية عدوانا وهذه الأرض يحرثها (ع) عادة وبحيازته، إلا أن (ع) تأخر في
تقديم شكواه، حتى انقضت مدة الشكوى المنصوص عليها في المادة (29) إجراءات جزائية،
هنا الأصل أن الدعوى الجزائية تعتبر منقضية بسبب عدم تقديم الشكوى خلال المدة
القانونية، إلا أن النيابة العامة أصدرت قرار اتهام تجاه المتهم (س) وقدم
للمحاكمة وتقدم (ع) بدعواه المدنية التبعية، فتخيلوا مثلاً أن (س) يتمسك بانقضاء
الدعوى الجزائية بسبب عدم تقديم شكوى خلال المدة بينما المجني عليه (ع) قدم شهوده
على الواقعة وشهوده أن الأرض بحيازته وأنه يحرثها الى قبل مدة قريبة، هنا أرى أنه
يجب على القاضي أن يبحث مسألة الملك ويطلب من كل طرف مستنداته وأدلته، فإذا ظهر
أن المتهم ليس له أي شبهة ملك لا مستندات ولا حيازة بينما المجني عليه أثبت
ملكيته وحيازته السابقة على عدوان المتهم فإنه في هذه الحالة يتعين على القاضي أن
يفصل في الجانبين الجزائي والمدني، فيقضي ببراءة المتهم من الجريمة، ويقضي
بإلزامه برفع يده عن ملك المجني عليه، وذلك من باب المرونة واختصار الإجراءات
وتقريب العدالة، أما اذا تبين للقاضي وجود شبهة ملك للمتهم فعليه أن يقضي ببراءته
ويوجه المجني عليه لرفع دعواه بالملك أمام القضاء المدني.
إن جريمة الاعتداء على ملك الغير تعتبر من أكثر الجرائم تعقيداً وتشعباً في
القانون المدني، وصورها لا يمكن حصرها وما أوردناه في هذا المنشور هو عبارة عن
غيض من فيض.
دمتم برعاية الله
منشورات قانونية- القاضي مازن أمين الشيباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق