الجمعة، 14 يوليو 2023

قاعدة لا يثبت حق إلا ببينة في القانون اليمني

قاعدة  لا  يثبت  حق   إلا ببينة في القانون اليمني 


أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
●تسود في اليمن ثقافة المغالطة التي يناصرها ارباب الفساد في كل التخصصات  الذين يروجون هذه الثقافة ويختلقوا لها المبررات والنظريات للدفاع عن هذه الثقافة الهدامة،ومن ذلك قيام الفاسدين  بتبرير جرائم عصابات الاستيلاء على اراض الغير، ومن ذلك  الترويج للفهم المنحرف للحيازة والثبوت، حيث يستند المتهبشون وعصابات الاعتداء والبسط على أراضي الغير يستندون إلى هذا الفهم المنحرف للحيازة، فيقوم المتهبشون بالبسط والاستيلاء على اراض الغير ووضع ايديهم بالقوة عليها ويصطنعوا على الأرض بعض  المظاهر الزائفة لحيازتهم العارضة من غير ان يكون لهم حق أو دليل أو بينة تدل على شبهة الملك للأرض المعتدى عليها ،حيث يكتفوا بالحيازة العارضة فقط لانهم يدركون جيداً شيوع الفهم المغلوط للحيازة التي يحميها القانون، وقد اشار إلى هذه المعضلة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/10/2008م في الطعن رقم (32389)، وتتلخص وقائع هذا الحكم ان المدعي تقدم بدعواه إلى المحكمة الابتدائية مدعياً ان المدعى عليه قد اعتدى على ملكه حيث قام بالاستيلاء وضع يده على موضعين زراعيين،وقدم المدعي الأدلة على ملكيته للموضعين محل النزاع، في حين تمسك المدعى عليه بأوراق وفصول اجداده  السابقة على  بيعهم الموضعين محل النزاع إلى اجداد المدعي، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإلزام المدعى عليه برفع يده عن الأرض محل النزاع وتسليمها للمدعي مع غلاتها منذ وضع يده عليها وتحميل المدعى عليه مصاريف التقاضي وغرامات المدعي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (ان الفصول التي ابرزها المدعى عليه عبارة عن فصول بين اجداد المدعى عليه وهي سابقة على المبيع الصادر منهم لأجداد المدعي كما ان حيازة المدعي وابائه قد امتدت لأكثر من سبعين سنة بعد شراء اجداد المدعي للأرض محل النزاع في حين ان حيازة المدعى عليه عارضة لا تزيد على ستة أشهر فلابينة لهم إلا تلك الفصول القديمة السابقة على البيع لأجداد المدعي) وقد قضت الشعبة الاستئنافية بقبول الدفع بالتقادم المقدم من المدعى عليه وتمسكه بالحيازة ،الا أن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا نقضت الحكم الاستىنافي،وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا(أن الحكم الاستىنافي المطعون فيه قد خالف القانون حينما قضى بقبول الدفع بالتقادم والحيازة المقدم من المدعى عليه مع ان الدفع بالتقادم لم تتم إثارته الا امام الشعبة الاستىنافية،فهذا الدفع غير متعلق بالنظام العام كما أن حيازة المدعى عليه عارضة وليس لدى المدعى عليه  اية بينة تدل على صحة حيازته وتحقق شروطها خلافاً لقاعدة لا يثبت حق بيد إلا ببينة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية: ↯

الوجه الأول: مصدر قاعدة لا يثبت حق بيد إلا ببينة ومعناها:

 مصدر هذه القاعدة هو المادة (12) إثبات التي نصت على أنه (لا يثبت حق بيد في ملك الغير ولا في حقه ولا في حق عام إلا ببينة قانونية وتكون البينة على إقرار الخصم بالحق أو على النذر أو الوصية أو استثناء الحق المدعى به أو تقدم الأحياء في المباح أو وجود الأثار القديمة في السواقي)  وتعني هذه القاعدة ان كل صاحب حق يلزمه ان يقدم البينة التي تدل على حقه، فالمدعي يجب عليه ان يقدم البينة على صحة ما يدعيه والحائز عليه ان يقدم البينة على صحة حيازته وتحقق مدتها وشروطها وان يثبت ان يده ليست يد غاصب وان حيازته قد استمرت المدة المقررة قانوناً للحيازة (30) سنة،حسبما قضى الحكم محل تعليقنا فلايطلق على الحق حقا الا إذا كانت هناك بينة تدل على وجوده حتى يتم اقتضاء الحق ولو جبرا، ومصدر هذه القاعدة واساسها حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لو اعطى الناس بدعاويهم لاستحلت الدماء والأموال ولكن على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين) فهذا الحديث الشريف أوجب الإثبات على المدعي أولاً وعلى المدعى عليه ان يحلف على عدم صحة ما ادعاه المدعي ،فاليمين وسيلة من وسائل الاثبات مثل الشهادة والاقرار وغيرهما، فليس هناك حق لا يسنده دليل فيجب على كل صاحب حق ان يثبته،فلا يثبت حق إلا ببينة، ومعنى الثبوت في القاعدة عدم جواز بقاء الحق  أو الحكم به لصاحبه الا بموجب بينة قانونية، فلا يقر صاحب الحق على حقه أو يحكم له بالحق إلا اذا كانت لديه بينة تدل على مصدر حقه وعلى صحته.

الوجه الثاني: البينة التي يثبت بها الحق

: اشترطت المادة (12) إثبات التي تضمنت قاعدة لا يثبت حق إلا ببينة اشترطت ان تكون هذه البينة قانونية، والمقصود بالبينة القانونية هي أن تكون وسيلة إثبات الحق من  وسائل الإثبات المقررة في قانون الإثبات وغيره من القوانين،ووسائل الإثبات المقررة في قانون الإثبات هي الشهادة والإقرار والمحررات والمعاينة واعمال الخبرة، ويجوز إثبات الحقوق بأية طريقة من طرق الإثبات المقررة المقررة في القانون مالم يعين القانون طريقة معينة للإثبات مثل إشتراط القانون إثبات بعض الحقوق بالكتابة.
 
#الوجه الثالث: عبء إثبات الحق
القاعدة السابق ذكرها عامة في الحقوق كافة حيث افادت ان كل حق ينبغي إثباته على النحو السابق بيانه غير أن عبء الإثبات ملقي على عاتق المدعي بالحق فهو الذي ينبغي عليه ان يثبت حقه، فعلى المدعي ملكية الأرض أن يثبت حقه في ملكيتها وعلى المدعي الثبوت عليها وحيازتها ان يثبت حيازته، فعبء الإثبات يقع على عاتق المدعي،وقد خالف قانون الإثبات اللبناني ذلك حيث اجاز للمدعي إثبات حقه وفي الوقت ذاته اجاز للمدعى عليه  نفي حق المدعي(الإثبات في المواد المدنية والتجارية،استاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور،أحمد ابو الوفاء، صـ42)،والله اعلم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق