تحكيم الخصم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
▪️من الشائع في اليمن ان يقوم الخصوم بتحكيم خصومهم عملاً بقول المتنبي : فيك الخصام وانت الخصم والحكم، فالعرف السائد في اليمن لا يمنع هذا النوع من التحكيم بل أنه في العرف دليل على استقامة وعدل المحتكم والمحكم، لكن القانون والقضاء لهما رأي أخر في المسألة، لذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/9/2017م في الطعن رقم (59658) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شريكين في شركة اختلفا بشأن مساهمة احدهما فقام الشريك المدعي بتخفيض مساهمته في الشركة قام بتحكيم خصمه رئيس مجلس ادارة الشركة بالفصل في دعواه، ولاحقاً قام ذلك المدعي برفع دعواه ذاتها أمام المحكمة التجارية الابتدائية فقام رئيس مجلس الادارة بتقديم دفع بعدم قبول الدعوى وإحالة القضية إلى التحكيم إلا أن المحكمة الابتدائية قررت رفض الدفع، فقام رئيس مجلس الادارة باستئناف القرار غير ان الشعبة التجارية قضت بتأييد قرار المحكمة الابتدائية، فقام رئيس مجلس الادارة بالطعن في الحكم الاستئنافي، إلا أن الدائرة التجارية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وبالرجوع إلى ملف القضية وما نعاه الطاعن يتضح جلياً ان استدلال الطاعن بالمادة (9) تحكيم حجة عليه ،لان التحكيم باطل وملغ في أصله بصريح المادة المشار اليها فلا اعتبار بإحالة النزاع إلى التحكيم لعدم صلاحية المحكم لأنه خصم طالما ان الطاعن هو رئيس مجلس ادارة الشركة المراد إحالة النزاع اليه فهو طرف في الخصومة فلا وجه للدفع بالإحالة للفصل في النزاع بطريق التحكيم إذ من غير المقبول عقلاً وشرعاً ان يكون الشخص في آن واحد خصماً وحكماً فيما شجر بينه وبين خصمه، فلا محل للتمسك بالتحكيم لانه من المعلوم ان التحكيم هو الاختيار لشخص اخر وفقاً لنص المادة (2) تحكيم حيث تنص على ان التحكيم اختيار الطرفين برضائهما لشخص آخر ...الخ ، كما ان من شروط اختيار المحكم صلاحيته للحكم وفقاً للمادة (20) تحكيم ،فالمحكم يرد بما يرد به القاضي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : عدم جواز تحكيم الخصم في القانون :
➖➖➖➖➖➖
▪️يقرر قانون التحكيم في المادة (2) بان (التحكيم : هو اختيار الطرفين برضائهما شخصاً اخر أو اكثر للتحكيم بينهما دون المحكمة المختصة فيما يقوم بينهما من خلافات أو نزاعات) فهذا النص يعني ان المحكم يكون شخصاً اخراً من غير الخصوم، وبناءً على هذا النص فلا يجوز تحكيم الخصم، كما ان المادة (20) تحكيم قد اشترطت ان لا يكون المحكم غير صالحا للحكم، فالخصم المحكم لا يكون صالحاً للحكم فيما بينه وبين خصمه، فالخصومة مانع وجوبي من الحكم وفقاً للمادة (128) مرافعات التي نصت على ان (يكون القاضي ممنوعاً من نظر الدعوى (الخصومة) ويجب التنحي عن نظرها من تلقاء نفسه ولو لم يطلب الخصوم ذلك في الأحوال الاتية : 4- اذا كان له أو لاحد من أولاده أو احد أبويه خصومة قائمة أمام القضاء) وقررت المادة (129) مرافعات على ان مخالفة هذا النص يترتب عليه انعدام الحكم ، وما يسري على القاضي يسري على المحكم بموجب المادة (23) تحكيم التي نصت على أنه (يجوز رد المحكم للأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالحاً للحكم أو اذا تبين عدم توفر الشروط المتفق عليها أو التي نصت عليها أحكام هذا القانون).
الوجه الثاني : تأثير رضاء المحتكم وقبوله بتحكيم خصمه :
➖➖➖➖➖➖
▪️سبق القول ان القانون قد جعل الانعدام جزاءً على عدم صلاحية المحكم للحكم ومنها كونه خصماً على النحو السابق بيانه في الوجه الأول، وهذا يعني أنه ليس هناك ادنى تأثير لرضاء الخصم وقبوله وتحكيمه لخصمه، وتبعاً لذلك لا مجال لتطبيق الاستثناء الوارد في المادة (23) تحكيم التي نصت على أنه (يجوز رد المحكم للأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالحاً للحكم اذا تبين عدم توفر الشروط المتفق عليها أو التي نصت عليها أحكام هذا القانون ويشترط ان تكون هذه الأسباب قد حدثت أو ظهرت بعد تحرير اتفاق التحكيم ،إلا أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه ماعدا الأسباب التي تتبين بعد التعيين وفي كل الأحوال يجب على الشخص حين يفاتح بقصد احتمال تعيينه محكماً أن يصرح لمن ولاه الثقة بكل الظروف التي من شأنها ان تثير شكوكاً حول حيدته واستقلاله) فلايسري ماورد في النص على تحكيم الخصم لخصمه، لان المادة (22) تحكيم قد نصت صراحة على وجوب احترام أحكام قانون المرافعات وعدم الاخلال بها باعتبارها من النظام العام.
الوجه الثالث : مدى تأثير عدم اعتراض المحتكم على تحكيمه لخصمه :
➖➖➖➖➖➖
▪️لان الخصومة مانع من موانع التحكيم والقضاء حسبما ورد في المادة (123) مرافعات السابق ذكرها، ولان المادة (129) مرافعات السابق ذكرها أيضاً قد قررت ان الحكم المخالف لذلك يكون منعدماً ،ولما كانت المادة (22) تحكيم قد صرحت بأن أحكام قانون المرافعات من النظام العام الذي لا تجوز مخالفتها، ولذلك فان عدم اعتراض المحكم على تحكيم خصمه لا يكون اجازة لذلك أو قبولاً به ،لان هذا الأمر متعلق بالنظام العام ويجعل الحكم منعدما،ً ولذلك لا مجال للاستدلال على خلاف ذلك بالمادة (9) تحكيم التي نصت على أنه (اذا لم يعترض الطرف الذي يعلم بوقوع مخالفة لأحكام هذا القانون أو لشرط من شروط اتفاق التحكيم ويستمر رغم ذلك في اجراءات التحكيم دون تقديم اعتراضه في الميعاد المتفق عليه أو في أقرب وقت يسقط حقه في الاعتراض ويعتبر متنازلاً عنه مالم تكن المخالفة على وجه لا يجيزه الشرع)، والله أعلم.
----------------------------------
▪️تم النشر في مدونة القاضي أنيس جمعـان في facebook بتاريخ ١٦ فبراير ٢٠٢١م
▪️القاضي أنيـس جمعان
من إعداد / الكاتب القانوني عادل الكردسي
لاستشارأت القانونية والاستفسارات
في مسائل قانونية جنائية ومدنية
777543350 واتس اب
770479679 واتس آب
x
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق