الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

احكام الملكية في القانون اليمني

  •  

هل تكون الحيازة دليل على الملكية في القانون اليمني هل تكون الحيازة الثبوت دليل على الملكية ؟

الحيازة لا تكون دليلاً على الملكية متى أقيمت البينة الشرعية على خلاف ذلك.
د. عبدالمؤمن شجاع الدين

انتشرت في اليمن وشاعت ظاهرة الإستيلاء على الأراضي والمباني والإعتداء والبسط عليها بشتى الوسائل والأساليب ووضع اليد عليها وحيازتها وفرض سياسة الأمر الواقع على الملاك الذين لا حول لهم ولا قوة، ومن ثم فقد تداخلت مفاهيم البسط والحيازة وتوسل بهما الظلمة والمعتدون للاستيلاء على أموال الناس بالباطل، وإذا قيل لهؤلاء اتقوا الله قالوا: نحن حائزون ثابتون على الأرض، ويعاون هؤلاء الظلمة والمعتدين بعض القانونيين الذين يبررون عدوان المعتدين على الأراضي والعقارات بأن اقتلاع وطرد هؤلاء من الأراضي والعقارات المعتدى عليها والمغصوبة سوف يترتب عليه الإخلال باستقرار المراكز القانونية وأنه تجب التضحية بتلك الأراضي والعقارات مقابل الحفاظ على استقرار المراكز القانونية، وتبعاً لذلك فإن الحيازة صارت الدافع الأهم والأعظم للاعتداء على الأراضي والعقارات والبسط عليها، حيث استعملت وسيلة الحيازة استعمالاً سيئاً فصارت باباً من أخطر الأبواب التي تفضي إلى أكل أموال الناس بالباطل، ومن الثابت أن الشريعة الإسلامية تحرم وتجرم غصب أموال الغير والبسط عليها، والأدلة في هذا الشأن كثيرة ومنها قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا …الحديث) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس لعرق ظالم حق) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من غصب شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله يوم القيامة إلى سبع ارضين) ولما كانت ظاهرة الاستيلاء والبسط على الأراضي والعقارات قد شاعت وانتشرت فإنه ينبغي لمواجهتها وتجفيف منابعها، التشدد وعدم التساهل فيها واختيار من الأقوال الفقهية ووجهات النظر القانونية ما يكفل الحد من هذه الظاهرة وردع المباشرين لها وزجر الناس كافة وتحذيرهم منها، كما ينبغي أن تتعاضد القوانين ذات الصلة بهذه الظاهرة كالقانون المدني وقانون الجرائم والعقوبات وأن تتشدد في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الأموال المعصومة بل إنها في أحيان كثيرة تهدر الأنفس وتهدد السلام الاجتماعي، لأن من أسباب شيوع ظاهرة البسط على أراضي الغير وحيازتها ووضع اليد عليها قصور النصوص القانونية ذات الصلة بهذا الموضوع وعدم استجابتها للنصوص الشرعية القطعية التي تحرم أكل أموال الناس بالباطل والتي سبقت الإشارة إلى بعضها، ومع أن القانون المدني لم ينص على الحيازة ضمن أسباب الملكية المنصوص عليها في المادة (1224) ومع أن القانون المدني قد أهدر الحيازة وحد من تأثيرها إذا قدم المدعي أية بينة على ملكيته للعقار ومع أن هذا مسلك حسن للقانون المدني النافذ إلا أن هذا القانون قد شرعن الحيازة وجعلها مع الغصب في قسم واحد من القانون حسبما هو مبين في القسم السادس من القانون المدني، ولا شك أن ذلك يغري الغاصبين والمعتدين والمحتالين على الاعتداء على الأراضي ووضع اليد عليها، لذلك ينبغي إعادة النظر في التنظيم القانوني للحيازة في القانون المدني لمحاربة ظاهرة البسط على الأراضي، أما قانون الجرائم والعقوبات فهو يشجع ظاهرة البسط على الأراضي والعقارات حينما وفر الحماية الجنائية للحيازة مطلقاً سواء كان الحائز للعقار مالكاً أو غاصباً أو محتالاً أو نصاباً، ولذلك فإنه من اللازم قصر الحماية الجنائية في قانون العقوبات على الملكية وليس مجرد الحيازة، فالأولى بالحماية هو المالك الشرعي والقانوني وليس الحائز الذي قد يكون غاصباً أو محتالاً، على أن يكون النص واضحاً في قانون العقوبات فيما يتعلق بجريمة الاعتداء على ملك الغير وانتهاك ملك الغير بحيث يقتصر هذا النص على حماية الملكية وليس الحيازة بل يجب على قانون الجرائم والعقوبات أن يجرم صراحة غصب الأراضي والمباني أو الاعتداء عليها بأي وجه بما في ذلك فتح النوافذ والمطلات وأن يقرر على ذلك عقوبة رادعة لأن التنظيم الحالي ليس جازماً أو حاسماً في مواجهة ومكافحة ظاهرة البسط على الأراضي والاعتداء عليها بل أن هذا التنظيم يشجع على تفشي هذه الظاهرة.
هذه المقدمة كان من اللازم ذكرها تمهيداً للتعليق على الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية الهيئة (أ) بتاريخ31/3/2007م برئاسة القاضي الدكتور/علي ناصر سالم – رئيس الدائرة في حينه ورئيس مجلس القضاء الأعلى حالياً وفقه الله، وهو الحكم الذي أقر القاعدة التي تقضي بأن (الحيازة ليست دليلاً على الملك متى أقيمت البينة الشرعية بالكتابة أو الشهادة أو حتى القرائن) وخلاصة وقائع هذا الحكم أن أحد الأشخاص كان قد عثر على مستندات بصائر وإجارات تفيد بأن أراضٍ كانت ملكاً لأبيه منذ ستين عاماً، ولكنها بحيازة شخص آخر يظهر عليها بمظهر المالك لها باعتباره حائزاً لها، فما كان منه إلا أن قام بالمطالبة الودية للحائز لتلك الأراضي الذي رد على المدعي بأنه ثابت وحائز للأراضي المدعى بها منذ ستين عاماً من غير منازعة أو اعتراض- وعندئذ لم يجد المدعي من بُد إلا اللجوء إلى المحكمة الابتدائية المختصة حيث قام برفع الدعوى أمامها مطالباً بالأراضي التي كانت ملكاً لأبيه والتي هي في وقت رفع الدعوى بحيازة المدعى عليه وقد رد المدعى عليه على هذه الدعوى بأنه ثابت وحائز للأرض المدعى بها منذ ستين عاماً من غير منازعة أو اعتراض من أحد وأن القانون المدني النافذ يكفل أحقيته في الأرض باعتباره حائزاً لها منذ ستين عاماً وأن حيازته طوال هذه المدة كافية لثبوت ملكيته للأرض المدعى بها، وبعد أن أمعنت المحكمة الابتدائية النظر في هذه القضية خلصت إلى الحكم بعدم قبول الدعوى لثبوت حيازة المدعى عليه للأرض المتنازع عليها واستقرار يده عليها – فلم يقنع المدعي بهذا الحكم الابتدائي فما كان من المدعي إلا أن قام بالطعن بالاستئناف أمام المحكمة المختصة وبعد أن نظرت محكمة الاستئناف في الطعن والرد عليه وبعد مطالعتها المستندات التي أبرزها المدعي أمام المحكمة الابتدائية مستدلاً بها على ملكية أبيه للأرض المتنازع عليها وأيلولتها إليه من بعد أبيه وعندئذ حصحص الحق فلم تجد محكمة الاستئناف إلا أن تحكم بقبول الاستئناف شكلاً وموضوعاً وأحقية وملكية المدعي للأرض محل النزاع ورفض مزاعم المدعى عليه وتمسكه بالحيازة، وحينئذٍ لم يقنع بهذا الحكم المحكوم عليه (المدعى عليه) الحائز للأرض حيث قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي مستنداً في طعنه إلى أنه حائز وثابت على الأرض محل النزاع منذ ستين سنة، وبعد دراسة الدائرة المدنية بالمحكمة العليا للطعن وأوراق القضية خلصت الدائرة المدنية إلى تأييد الحكم الاستئنافي ولم تكتف الدائرة بذلك بل أنها قررت قاعدة مفادها أن ( الحيازة ليست دليلاً على الملك متى أقيمت البينة الشرعية على الملك بالكتابة أو الشهادة أو حتى القرائن) وقد استند حكم المحكمة العليا محل تعليقنا حسبما ورد في الحكم ذاته إلى الأسباب الآتية:
1- أن حيازة الملك (الثبوت) مشروطة بأن لا تكون حيازة الشيء حيازة انتفاع عملاً بالمادة (1104) مدني.
2- أن حيازة الملك (الثبوت) مشروطة بعدم قيام الدليل على غير ذلك عملاً بالمادة (1111)مدني.
3- أن حيازة اليد لا تثبت حقاً فيما يملك الغير إلا ببينة شرعية ولذلك قررت المادة (1114) مدني سماع دعوى الملك على ذي اليد الثابتة إذا أقيمت البينة الشرعية على الملك بكتابة صحيحة أو بشهادة عدول أو حتى القرائن عند الترجيح بين دلائل مدعي الملك ودلائل ذي اليد الثابتة.
وعند التأمل في الحكم محل تعليقنا نجد أن المحكمة العليا قد انتصرت للحق وأسندت الحق إلى مالكه الذي أثبت ملكيته، ولم تلتفت المحكمة العليا إلى الحيازة التي تمسك بها الحائز مع أن مدة الحيازة كانت قد زادت على ستين سنة، ولأهمية هذا الحكم ولأهمية القاعدة التي أقرها فقد قامت المحكمة العليا بنشر هذا الحكم ضمن الكتب التي دأبت المحكمة العليا على نشرها والمتضمنة القواعد القانونية والمبادئ القضائية، وهذا الحكم يدل على توجه المحكمة العليا وموقفها بشأن الحيازة، ولكن ذلك لا يغني عن ضرورة إعادة النظر وتعديل النصوص القانونية ذات الصلة بظاهرة البسط على الأراضي والاستيلاء عليها وحيازتها بما يكفل تجفيف منابع هذه الظاهرة وعدم استفادة هؤلاء المعتدين والغاصبين من أحكام الحيازة وكذا تجريم غصب الأراضي والعقارات وتقرير العقوبات الرادعة على مرتكبي هذه الجرائم، وذلك بنصوص صريحة واضحة لا لبس فيها – ولا يكفي من وجهة نظرنا تجريمها تحت مسمى الاعتداء على ملك الغير أو انتهاك ملك الغير – فجريمة الغصب للأراضي أكثر خطورة من جريمة نزع العلامات التي تفصل بين الأراضي وغيرها من الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات صراحة، كما أن أغلب الاعتداءات على أملاك الغير يتعذر على المجني عليهم تقديم الشكاوى بشأنها بسبب أحكام التقادم الجنائي.
ومعالجة هذه الظاهرة ستكون أساساً من أهم أسس الدولة اليمنية المدنية الحديثة فضلاً عن أن محاربة هذه الظاهرة في القوانين ذات الصلة سيوفر البيئة الملائمة للاستثمار الآمن والانتعاش للاقتصاد اليمني العليل

للاستفسار والاستشارة 

المستشار القانوني/عادل علي عبدة الكردسي 

الاتصال 770479679 واتس اب 

 777543350

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق