الفرق بين الولاية القضائية والاختصاص القضائيأ.د/ عبد المؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الانعدام مفهوم جديد في القانون اليمني لم يكن له وجود قبل 2002م
ولذلك فهذا المفهوم غير مستقر في أذهان بعض المعنيين حيث أن هذا
المفهوم يلتبس في أذهان البعض الذين لا يفرقون بين الولاية القضائية
والاختصاص القضائي مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا وهو الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
22/4/2009م في الدفع بالانعدام المقيد في سجلات المحكمة العليا برقم
(33746 (لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع الدفع الذي فصل فيه حكم
المحكمة العليا محل تعليقنا ان عشرة من موظفي احدى الشركات الخاصة
تقدموا بدفع أمام المحكمة العليا أدعوا فيه انعدام الحكم الصادر عن الدائرة
الادارية الذى قضى بنقض الحكم الاستئنافي الذي كان لصالحهم حيث
ذكروا في دفعهم امام المحكمة العليا انه لا ولاية للدائرة الادارية بنظر
الطعن الجكم فيه لان هذه الدائرة غير مختصة بنظر الطعن لأنه مدني
وليس اداريًا لان الموظفين الدافعين ليسوا من الموظفين العمومين وانما
يعملوا في شركة اجنبية غير حكومية ولذلك فان الدائرة صاحبة الولاية في
المحكمة العليا هي الدائرة المدنية وليس الدائرة الادارية، وقد قضت
المحكمة العليا برفض الدفع بالانعدام .وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة
العليا (فان الدائرة قد توصلت إلى الاتي : أولاً : القاعدة السائدة في الوسط
القضائي والقانوني عدم جواز الطعن في احكام المحكمة العليا باعتبارها
أعلى سلطة في الهرم القضائي فأحكامها تكون باتة حائزة قوة الأمر المقضي
به فلا يستثنى من هذه القاعدة سوى حالة واحدة وهي الحالة المنصوص
عليها في المادة (56 (مرافعات وذلك عندما يتعلق الدفع أو الدعوى بانعدام
حكم فقد احد اركانه المنصوص عليها في المادة (217 (من القانون ذاته،
فاذا كانت هذه الحالة قد تم استثناؤها بنص القانون فلا يجوز الدفع بانعدام
حكم المحكمة العليا الا بعد التحري والبحث والتثبت الذي يحقق اليقين بأن الحكم قد فقد أحد اركانه، ذلك ان احدًا لا يتصور أن المحكمة العليا قد
تصدر حكمًا منعدماً يجعل الدفع بانعدامه مبررًا لان المحكمة العليا قد تم
تشكيلها من أقدم القضاة ذوي الخبرة في العمل القضائي ومن أجل ذلك
فان القانون قد ضيق حالات الانعدام وقصرها في العيوب التي تفقد الحكم
كيانه ووجوده كان يفقد احد الأركان المنصوص عليها في المادة (217(
مرافعات وهي الولاية القضائية وتحقق الخصومة وانعقادها وان يكون
الحكم مكتوبًا، كما قررت المادة (15 (مرافعات الجزاء على انعدام الحكم
القضائي وكل ما يترتب عليه اذا خالف القاضي حدود ولايته للقضاء طبقًا
لقرار تعيينه اوندبه او نقله او اذا صدر الحكم خلافًا للتشكيل القانوني أو
قضى في نزاع تم حسمه بحكم قائم صدر عن ذي ولاية قضائية أو عن
محكم أو صدر الحكم عن قاض بعد انتهاء ولايته أو لأنه لم يعد صالحًا
للحكم حسبما ورد في المواد (9 و 11 و 12 و 13 (مرافعات – ثانيًا – : اذا
ما طبقنا القاعدة السابقة على الدفع الذي نحن بصدده فان الدافعين قد بنوا
دفعهم على سبب واحد وهو أن الحكم المدفوع بانعدام قد فقد احد اركانه
وهو الولاية لصدوره عن دائرة غير مختصة بنظر القضية وهي الدائرة
الادارية وبما ان الطعن بالنقض طعن مدني لتعلقه بقضية مدنية عمالية فان
الدائرة المختصة بنظره هي الدائرة المدنية مما يقتضي التقرير بانعدامه
تأسي ًسا على المادتين (56 و 217 (مرافعات وبالتامل وامعان النظر في
الدفع وسببه ومستنده نجد أن الدافعين قد خلطوا في دفعهم بين التكييف
القانوني للولاية القضائية والاختصاص كما اخطأوا في تفسير المادة (9(
مرافعات وتطبيقها على الواقعة التي نحن بصددها. فالولاية القضائية عرفها
شراح القانون بانها سلطة عامة ثابتة للدولة تخولها القيام بالقضاء بين
الناس عن طريق السلطة القضائية اما الاختصاص فهو جزء من الولاية
القضائية لتعلقه بتحديد القضايا التي تباشرها المحكمة من بين القضايا التي
تدخل ضمن ولاية القضاء، واشترط شراح القانون لصحة العمل الاجرائي ان
يقوم به قاضي له الولاية القضائية في حدود ولايته ويترتب على فقدان
الولاية الانعدام اما مخالفة الاختصاص فيترتب عليه البطلان والحكم
الباطل تترتب عليه جميع الاثار القانونية حتى يحكم ببطلانه والانعدام لا
يقبل التصحيح والبطلان يقبل التصحيح، اما الخطأ في تفسير نص المادة (9 (مرافعات ونصها يتقيد القاضي في ولايته للقضاء طبقًا لقرار تعيينه أو
ندبه أو نقله إلا ما استثنى بنص خاص في هذا القانون، والدائرة المدفوع
بانعدام حكمها هي دائرة مدنية. فالدائرة وقضاتها مخولون بنظر الطعون في
القضايا المدنية الى جانب القضايا الادارية فالولاية ثابتة لهم لانهم معينون
قضاة اعضاء بالمحكمة العليا فالاختصاص ثابت لهم باعتبارهم مخولين
بنظر الطعون المدنية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين
في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية الولاية القضائية :
الأصل ان الولاية القضائية ثابتة للدولة وتقوم الدولة بمباشرة هذه الولاية
عن طريق القضاة الذين يقومون بممارسة الوظيفة القضائية وذلك من خلال
محاكم الدولة بأنواعها ودرجاتها المختلفة (شرح قانون المرافعات د.هبه بدر
، ص50 (ويتم اسناد الولاية للقضاة وهيئات الحكم عن طريق قرارات
تصدرها السلطة القضائية حيث تحدد تلك القرارات المحكمة التي تم تعيين
القاضي فيها لمباشرة الولاية القضائية، وبنا ًء على ذلك فان ولاية القاضي
تتحدد بالقرار الذي اسند وحدد نطاق ولايته ومكان عمله وفي هذا المعنى
نصت المادة (9 (مرافعات على انه (يتقيد القاضي في ولايته للقضاء طبقًا
لقرار تعيينه أو ندبه أو نقله) أي ان الولاية القضائية هي عبارة عن افصاح
مجلس القضاء عن تعيين القاضي أو نقله أو ندبه للعمل في محكمة معينة
بحسب ما يرد في ذلك القرار المحدد لمكان ونطاق عمل القاضي، وتطبيقًا
لهذا المفهوم على ماورد في الحكم محل تعليقنا نجد أن اعضاء الدائرة التي
اصدرت الحكم المدفوع بانعدامه الحكم قد صدر قرار بتعيينهم كما تم
تخويلها الفصل في الطعون الادارية والمدنية حسبما ورد في الحكم محل
تعليقنا، ولذلك فهو حكم صادر من دائرة ذات ولاية في اصداره وتبعا لذلك
فذلك الحكمً ليس منعدما حسبما ورد في الدفع بالانعدام الذي تم رفعه أمام
المحكمة العليا فرفضته.
الوجه الثاني : ماهية الاختصاص القضائي :
يذهب غالبية شراح قانون المرافعات إلى ان الاختصاص القضائي عبارة عن توزيع العمل القضائي بين القضاة على المحاكم في عدة صور فقد يعتمد هذا
التقسيم أو التوزيع على اساس انواع القضية مدني جنائي …الخ وهذا
يكون الاختصاص النوعي، وقد يعتمد هذا التقسيم أو التوزيع على اساس
النصاب القيمي للحق المطالب به فلا تكون المحكمة مختصة إلا في حدود
هذا النصاب وهذا ما يعرف بالاختصاص القيمي، وقد يعتمد هذا التقسيم أو
التوزيع على أساس مكاني حيث تكون المحكمة مختصة بنظر القضايا التي
يقع فيها محل المدعى عليه أو العقار المتنازع عليه…الخ.
الوجه الثالث : التداخل فيما بين الولاية القضائية والاختصاص القضائي :
هذا التداخل ليس إشكالية في اليمن وحده وانما في دول كثيرة نتيجة فهم
البعض بأن الاختصاص القضائي هو عبارة عن تقسيم للولاية القضائية على
المحاكم وهذا الفهم يصور الاختصاص كما لو انه جزء او قسم من الولاية
وهذا التصور غير سديد لان الولاية تتحدد بقرار التعيين في محكمة معينة
فالولاية قد تكون مع التقسيم أو التوزيع أو بعده أي ان الولاية القضائية
تتحدد للقضاة فرادى أو في حركة قضائية جماعية تكون غالًبا تالية لإنشاء
المحاكم، وهذه النظرة أو المفهوم هو سبب التداخل فيما بين الاختصاص
والولاية.
الوجه الرابع : الفرق بين الولاية القضائية والاختصاص القضائي :
يتلخص الفرق بينهما في ان الحكم الصادر من غير ذي ولاية يكون منعدما
في حين يكون باطلا الحكم الذي يصدر من محكمة غير مختصة ، وبنا ًء
على ذلك فان الحكم المنعدم ليس له وجود قانوني لذلك فلا يتحصن
بمضي الزمن بخلاف الحكم الباطل. والله اعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق