الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
قضى الحكم محل تعليقنا أنه فيما يتعلق بإثبات سبب الشفعة لا يكفي أن تكون المعاينة هي دليل الإثبات الوحيد حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6-4-2014م في الطعن رقم (54608)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد جاء موافقاً من حيث النتيجة للشرع والحكم في موضوع النزاع برفض الدعوى وعدم قبولها لعجز المدعي عن إثبات دعواه بإستحقاقه للشفعة في موضع النزاع، فلا يجديه نفعاً ما قامت به محكمة الدرجة الأولى بالمعاينة، حيث أن الثابت أن الطاعن لم يقتنع بالحكم الابتدائي الذي تأسس فقط على المعاينة التي قامت بها محكمة الدرجة الأولى، فقد طلب المستأنف الغاءه، وحيث ان الطاعن قد ركز في أسباب طعنه على عدم إنتقال الشعبة الاستئنافية لمعاينة محل النزاع، فإن مثل هذا السبب لا يعوّل عليه، حيث ان المعاينة هي مسألة جوازية للمحكمة، فلها أن تقوم بها أو لا تقوم، والمعاينة تأتي في الترتيب السادس لطرق الإثبات طبقاً للمادة (13) إثبات، فكيف تقوم الشعبة الاستئنافية بالمعاينة ان كان الطاعن قد عجز عن إثبات دعواه ابتدائياً واستئنافياً، فالشعبة الاستئنافية هي محكمة موضوع وهي معنية بتقدير الدليل ولا معقب عليها، طالما اقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله وتسويغ النتيجة المنطقية التي انتهت إليها، فليس لها ان تبحث للمدعي عن دليل لم يورده بنفسه إلى مجلس القضاء)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الاول: إثبات سبب الشفعة:
أسباب الشفعة بحسب ما ورد في المادتين (1256 و1257) مدني هي: الشراكة والخلطة على الشيوع في أصل العين أو في حق الشرب أو في الطريق، وهذا الأمر يقتضي أن يقدم المدعي بالشفعة الادلة التي تثبت توفر سبب الشفعة ، وكما تقدم فإن سبب الشفعة هو ملكية الشفيع على الشيوع في أصل العين أو حق إرتفاقه في الطريق أو الشرب، حيث يتم إثبات ذلك عن طريق وسائل الإثبات المقررة في قانون الإثبات الواردة في المادة (13) إثبات التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا التي نصت على أن: (طرق الإثبات هي:-1- شهادة الشهود -2- الإقرار -3- الكتابة -4- اليمين وردها والنكول عنها -5- القرائن الشرعية والقضائية -6- المعاينة (النظر) -7- تقرير الخبير -8- إستجواب الخصم) ،فطرق الإثبات المذكورة في النص السابق تصلح في إثبات سبب الشفعة، غير أن هذه الطرق تتفاوت في دلالتها أو حجيتها للإثبات، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا ذهب إلى أن المعاينة كوسيلة إثبات لا تكفي لوحدها في إثبات ملكية الشفيع لسبب الشفعة ،لأن المعاينة أو النظر تعتمد على مشاهدات القاضي لمحل النزاع واستماعه لأقوال الخصوم وشهود التروية في حين أن هناك وسائل أولى واقدم من المعاينة كالشهادة والإقرار وغيرهما بحسب ماورد في نص المادة (13) إثبات السابق ذكرها، ولذلك فإن المعاينة في هذه الحالة لا تكون كافية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، ولكن المعاينة تكون في بعض القضايا دليلاً كاملاً كالحيازة.
الوجه الثاني: ترتيب المعاينة بين طرق الإثبات:
أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن المعاينة تأتي في المرتبة السادسة بين وسائل الإثبات، غير أن موقع المعاينة واهميتها بين طرق الإثبات يتحدد بحسب نوع القضية أو الشيء الذي يتم إثباته عن طريق المعاينة.
الوجه الثالث: الطبيعة القانونية للمعاينة:
نصت المادة (13) إثبات على أن المعاينة طريقة من طرق الإثبات، في حين نصت المادة (160) إثبات على أن المعاينة جوازية، وقد صرح بذلك الحكم محل تعليقنا، حيث نصت المادة (160) إثبات على أنه: (للمحكمة أو من تنتدبه من قضاتها أو من قضاة المحاكم الأخرى أن تجري معاينة...إلخ)، اي ان محكمة الموضوع غير ملزمة بإجراء المعاينة حتى لو طلب ذلك الخصوم، ولذلك يذهب قسم من الفقه العربي إلى أن المعاينة ليست دليل إثبات مستقل وإنما وسيلة إثبات تابعة وخادمة لوسائل الإثبات الأخرى كالقرائن المصاحبة لمحل النزاع أو شهادات شهود التروية، حيث يقوم القاضي بالمعاينة كي يعاين ويشاهد تلك القرائن، وقد تكون المعاينة لتطبيق أقوال الشهود أو المحررات على موضع الخلاف، ولذلك فإن إجراء المعاينة يخضع للسلطة التقديرية للقاضي، ومن انصار هذا الاتجاه الأستاذ الدكتور رمضان ابو السعود الذي ذكر في كتابه (النظرية العامة في الإثبات، ص375) أن المعاينة والخبرة والإستجواب ليست أدلة إثبات مستقلة وإنما هي عبارة عن إجراءات خادمة أو تابعة تهدف الى استكشاف أدلة إثبات أخرى، حيث قال أبو السعود: (أن هذه الإجراءات لا تعد أدلة إثبات قائمة بحد ذاتها وإنما هي عبارة عن إجراءات قد تسفر وتتمخض عن دليل تقتنع به المحكمة، فقد تسفر هذه الإجراءات إلى الحصول على قرينة أو إقرار قضائي...إلخ)، ولذلك فان الحكم محل تعليقنا أشار الى ان محكمة الاستئناف ليست ملزمة بإجراء المعاينة للبحث عن أدلة للطاعن كان هو قد عجز تقديمها أمام المحكمة، والله اعلم . >
https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق