طلب دعوى التعويض في القانون المدني اليمني
موجبات طلب التعويض وحدوده
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
قضى الحكم محل تعليقنا بأن التعويض يكون على قدر الضرر الذي لحق بالمضرور وفي حدود الطلبات الجادة الواضحة الثابتة بالأدلة والبراهين، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-4-2017م في الطعن رقم (58125)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فالبين أن الطاعن في طعنه الجزئي قد طالب بتعويضه بمبالغ إضافية زيادة عن المبالغ المحكوم بها بموجب الحكم الاستئنافي المطعون فيه، وحيث أن الدائرة قد وجدت من خلال ما تضمنته الدعوى أن الطاعن طالب في دعواه بإعادة قيمة تذاكر عودة ال(23) حاجاً بمبلغ قدرة ثمانمائة وتسعة عشر الفاً وبالتعويض العادل عما لحقه من تشويه السمعة والغرام التي تكبدها ، وقد ثبت أمام محكمة أول درجة بناءً على مجموع البراهين ترحيل ال (23) حاجاً إلى اليمن على حسابهم حيث قضت المحكمة المذكورة للطاعن على المطعون ضدها الخطوط الجوية اليمنية فرع..... بإعادة المبلغ المشار إليه مع الحكم للطاعن بالتعويض وبالغرامة ونشر اعتذار لوكالة.... (الطاعن) في صحيفة رسمية – إلا أنه لم يتبين من خلال ما طرح الطاعن من أدلة ثبوت الأضرار الأخرى التي ادعى بها الطاعن، مع أن متابعة الطاعن محدودة بتوجيه الشكاوى إلى الجهات الرسمية كوزارة الأوقاف والحج والإدارة العامة للخطوط الجوية اليمنية والمحافظة التي تضمنت مطالباته بإعادة قيمة تذاكر عودة الحجاج المشار إليهم، والمعلوم قانوناً أن المحكمة لا تحكم بالتعويض إذا لم يثبت المدعي ذلك الضرر، وحيث أن الحكم المطعون فيه قد قضى للطاعن بطلبات المتمثلة بقيمة تذاكر العودة لـ23 حاجاً والنشر والغرام، فذلك كافٍ)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: نطاق دعوى الضرر والتعويض:
أشار الحكم محل تعليقنا بأن الطاعن حينما رفع دعواه كان قد حدد نطاق دعواه حيث حدد فيها طلباته والأضرار التي لحقت به، المتمثلة في قيمة تذاكر عودة ال(23 )حاجا إلى اليمن واغرام متابعته للجهات المعنية والاضرار التي لحقت بالسمعة التجارية للوكالة التجارية التي يملكها الطاعن التي تولت تفويج الحجاج، حيث انحصرت طالبات الطاعن في تعويضه عن الاضرار التي حددها في دعواه، وعلى أساس ما ورد في تلك الدعوى فقد قضت له محكمة أول درجة بما طلبه من تعويض وهو قيمة تذاكر عودة الـ23 حاجاً والأغرام التي تكبدها جراء متابعته للجهات المختصة لترحيل الحجاج إلى اليمن وكذا الحكم بنشر اعتذار الخطوط اليمنية لوكالة الحج التابعة للطاعن في صحيفة رسمية، في حين كانت بقية طلبات الطاعن في دعواه مرسلة، وقد حكمت له بذلك محكمة أول درجة بطلباته الثابتة والمبينة في دعواه، وأيدت الشعبة الاستئنافية ذلك الحكم، ولو حكمت محكمة أول درجة للطاعن بغير طلباته المبينة والثابتة في دعواه، لكان حكمها باطلا لانه قد قضى بأكثر مما طلب الطاعن وفقاً لقانون المرافعات.
الوجه الثاني: التعويض ونشر الاعتذار في وسائل النشر:
كان جانب من المحاججة بين الطاعن والمطعون ضدها يدور بشأن مدى كفاية نشر اعتذار الخطوط اليمنية للطاعن صاحب وكالة الحج، حيث كان الطاعن يحاجج بأن الحكم بإلزام الخطوط اليمنية بالاعتذار ونشره في صحيفة رسمية لا يتناسب مع الضرر الفعلي الذي لحقه جراء عدم قيام اليمنية بإعادة الـ23 حاجاً إلى اليمن، لأن سمعة وكالة الحج التابعة للطاعن قد تضررت بالحال والمآل ، فقد اعتقد زبائن الوكالة وغيرهم ان الوكالة قد اخلت بالتزاماتها بإعادتهم إلى اليمن بعد رحلة الحج، واشتهر أمر هذه الواقعة بين الحجيج وغيرهم،أي اشتهر أن الوكالة لا تف بالتزاماتها للمتعاملين معها، وقد ترتب على ذلك احجام كثير من الجهات والزبائن عن التعامل مع الوكالة، حيث تقلص نشاط الوكالة جراء الضرر الذي لحق بسمعتها ، فنشر اعتذار اليمنية هدفه الزبائن المحتملين في المستقبل بعد نشر الاعتذار واشهار أمره بين الزبائن الحاليين والمحتملين، فنشر الاعتذار لا يجبر الضرر الذي قد وقع على الطاعن بالفعل، في حين أن الحكم محل تعليقنا ذهب إلى أن التعويض المحكوم به للطاعن كافٍ، لأن الطاعن لم يحدد عناصر الضرر الذي لحقه بسبب الأضرار بسمعة وكالته، فضلاً عن أن الطاعن لم يبين مقدار التعويض المستحق له جراء ذلك، حيث اكتفى بطلب التعويض عامة، وقد قضى له الحكم المطعون فيه بالتعويض بحسب طلبه وبحسب ماهو ثابت بالفعل .
الوجه الثالث: طلب التعويض الجاد والطلب المرسل:
في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان الطاعن قد طلب من محكمة الموضوع تعويضه التعويض المناسب عما لحقه من ضرر مادي ومعنوي في سمعة الوكالة التابعة له بسبب عدم قيام الخطوط الجوية اليمنية بإعادة الـ23 حاجاً إلى اليمن، حيث جاء طلب الطاعن التعويض في هذا الشأن مرسلاً فلم يبين الطاعن في دعواه أمام محكمة الموضوع عناصر الضرر الذي لحقه في سمعته ومقدار الضرر كما أنه لم يقدم الأدلة على عناصر الضرر والأدلة على ذلك حتى تتحقق محكمة الموضوع من جدية الطلب وقانونيته ومدى إستحقاقه ومقدار مايستحقه من تعويض ، أما الطلب المرسل فهو غير جاد، لانه مجرد طلب المدعي بتعويضه التعويض المناسب أو بحسب ما تراه المحكمة حسبما يرد ضمن طلبات الخصوم في اليمن، حينما يطلبوا من محكمة الموضوع تعويضهم بما تراه المحكمة مناسبا، فطلبات التعويض هذه تكون مرسلة غير جادة، حيث تظهر عدم جديتها: في أن طالب التعويض لا يحدد فيها عناصر الضرر الذي لحقه ولا يحدد عناصر التعويض ومقدار التعويض الذي يستحقه، كما أنه المدعي بها لا يبين الفعل الضار الذي تسبب بالضرر وعلاقة السببية فيما بين الفعل الضار والضرر، إضافة إلى أن المطالب بالتعويض في هذه الحالة لا يقدم الأدلة على كل ذلك لكي تتأكد محكمة الموضوع من جدية طلب التعويض، والله اعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق