الأربعاء، 24 أغسطس 2022

الوصية الواجبة في القانون اليمني

 الوصية الواجبة في القانون اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

انفرد قانون الأحوال الشخصية اليمني في إشتراطه فقر ابناء الأبن لإستحقاقهم الوصية الواجبة المقررة في المادة (259)، ومصطّلح الفقر في العصر الحاضر غير مطرد، ويثير إشكاليات عدة عند تطبيقه في الواقع ألعملي، مما يستدعي الإشارة إلى ذلك في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/12/2013م في الطعن رقم (50167)، حيث أن الحكم الابتدائي قد قضى بإستحقاق المدعين ابناء الأبن للوصية الواجبة، فقام المدعى عليه بإستئناف الحكم على أساس: (أن الحكم باطل لمخالفته المادة (259) أحوال شخصية التي قررت الوصية الواجبة، إذ اشترطت هذه المادة لصحة الوصية الواجبة أن يكون المستحق للوصية الواجبة فقيرا، في حين أنه من الثابت أن المطعون ضدهما غنيان بما آل إليهما إرثاً من ابيهما فقد بلغ إرثهما (12) قيراطاً في حين ان حصتي (المستأنف) ثمانية قيراط، وسندنا في ذلك هو فصل مورثهما كما ورد في شهادات الشهود أن للمستانف ضدهما أموال كثيرة))، وقد قضت الشعبة الاستئنافية برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي معللة حكمها: ((بأن ما اثاره المستأنف في نعيه على الحكم الابتدائي مما لا يستوجب الأخذ به الأمر الذي أدى إلى طرح ذلك))، فقام المستأنف بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أمام الدائرة الشخصية متمسكاً بأن المطعون ضدهما لا يستحقا الوصية الواجبة من تركة جدته لأنهما غنيان، ولكن الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وعليه فإن أسباب الطعن متعلقة بموضوع النزاع الداخل أصلاً في إختصاص محكمة الموضوع،، وحيث أن الحكم محل الطعن جاء موافقاً في إستناده وما علل به للشرع والقانون، وكان موافقاً لنص المادة (259) من قانون الأحوال الشخصية بشأن الوصية الواجبة مما يستوجب رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

الوجه الأول: إنفراد القانون اليمني في إشتراط فقر ابناء الأبن لإستحقاق الوصية الواجبة:

 انفرد قانون الأحوال الشخصية اليمني في إشتراط فقر ابناء الأبن لإستحقاق الوصية الواجبة ، في حين لم يرد هذا الشرط في القوانين العربية التي نصت على الوصية الواجبة كالقانون المصري والمغربي والجزائري والسوري والعراقي والاردني والإماراتي وغيرها، حيث نصت المــادة(259) من قانون الاحوال الشخصية اليمني على أنه( اذا توفى  اي من الجد أو الجدة عن ولده أو أولاده الوارثين وعن اولاد ابن أو أبناء الأبناء مانزلوا  وكانوا فقراء وغير وارثين لوفاة آبائهم في حياته وقد خلفوا خيرا من المال ولم يقعدهم   فيرضخ لهم مما خلفه بعد الدين كالتالي :-1—لبنات الأبن الواحدة أو أكثر مثل نصيب بنات الأبن الارثي مع بنت الصلب وهو السدس _2_ للذكور من اولاد الأبن الواحد اذا انفردوا أو مع اخواتهم بمثل نصيب ابيهم لو كان حيا بما لايزيد على الخمس. _3_ اذا تعدد  المتوفون من الابناء عن اولاد لهم بنين وبنات فلكل صنف منهم مثل نصيب ابيهم لو كان حيا بحيث لا يزيد مايرضخ لمجموع الأصناف على الثلث، وفي كل الحالات الثلاث يشترط ان لاتزيد حصة الذكر أو الأنثى الواحد من اولاد المتوفين على حصة الذكر الواحد أو البنت من اولاد الصلب والا ألغيت الزيادة  واقتصر لهم على مايتساوون به مع اولاد او بنات الصلب ويشترك المتعدد ن فيما تعين لهم  لكل بقدر أصله  وللذكر مثل حظ الانثيين، ويحجب كل اصل  فرعه، وتقدم الوصية الواجبة على غيرها من الوصايا التبرعية) . 

الوجه الثاني: الحكمة التي ابتغاها القانون اليمني من إشتراط فقر ابناء الأبن لإستحقاق الوصية الواجبة: 

ذكر شيخنا المرحوم القاضي العلامة محمد بن يحيى المطهر: أن القانون اشترط هذا الشرط، لأن ابناء الأبن المستحقين للوصية الواجبة غير وارثين اصلا لأنهم محجوبون  بأعمامهم، فقد يكون الأعمام وهم من الورثة فقراء، في حين يكون ابناء الابن اغنياء، لان الله سبحانه وتعالى لم يكتب الوصية الواجبة الا اذا ترك الجد خيرا، فإذا لم يكن ابن الأبن فقيرا انتفت الحكمة من تشريع الوصية الواجبة له ، فليس من المقبول أن يرضخ من إرث الأعمام الفقراء الوارثين كوصية إلى ابناء الأبن الأغنياء وهم غير ورثة، لأن الحكمة في تشريع الوصية الواجبة لأبناء الأبن معالجة فقرهم حتى لا يؤرث ذلك في قلوبهم الحقد على أعمامهم خاصة أن والدهم ربما كان له دور في تنمية تركة أبيه. 

الوجه الثالث: تعريف الفقر والفقير في الفقه الإسلامي: 

لم يعرف قانون الأحوال الشخصية الفقير المستحق للوصية الواجبة، ولذلك فإن المرجع في ذلك كتب الفقه الإسلامي التي عرفت الفقر والفقير بصفة عامة 

 فالفقيرفي اللغة هو المحتاج وهو ضدَّ الغِنَى، والفقير: مكسور فقار الظَّهر، وهو مشتقٌّ من انفقار الظَّهر، أي انكسار فقاره، فكأنَّ الفقير مكسور الظَّهر من شدَّة حاجته، والفقيرهو الَّذي يجد ما يأكل، والمسكين مَنْ لَا شيء له، وقد اختلف الفقهاء بشأن الفرق بين الفقير والمسكين، فقال  الماوردي ان في هذه المسألة ستة  اقوال، الاول: "أنَّ الفقير: المحتاج المتعفِّف عن المسألة، والمسكين: المحتاج السَّائل والثَّاني: أنَّ الفقير هو ذو الزَّمانة من أهل الحاجة، والمسكين: هو الصَّحيح الجسم منهم، والثَّالث: أنَّ الفقراء هم المهاجرون، والمساكين: غير المهاجرين، والرَّابع: أنَّ الفقير من المسلمين، والمسكين: من أهل الكتاب، والخامس: أنَّ الفقير الَّذي لا شيء له؛ لأنَّ الحاجة قد كسرت فقاره، والمسكين الَّذي له ما لا يكفيه لكي يسكن إليه، والسَّادس: أنَّ الفقير الَّذي له ما لا يكفيه، والمسكين: الَّذي ليس له شيء يسكن إليه" 

 ولا شكَّ أنَّ تعريف الفقر شرعًا عند الفقهاء يتوقَّف على آرائهم فـي موضـوع الصَّدقات، وتوزيعها على مستحقِّيها، فالفقر أوَّل صفة يستوجب المتَّصف بها الأخذ من الـصَّدقات، وقد اختلف العلماء في معنى الفقر، وحدَّه الَّذي يجيز الأخذ من الصَّدقة، وحد الغنى الَّـذي لا يجوز معه الأخذ منها على عدَّة أقوال:

القَوْلُ الأَوَّلُ: ذهب الإمام أبو حنيفة وبعض الزيدية إلى أنَّ الفقر هو عدم ملك نصاب الزَّكاة؛ لأنَّ النَّبِـيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ - قد سمَّى مَنْ ملك النِّصاب غنيًّا، وذلك في قوله لمعاذ بن جبل: "فَإِنْ هُم أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ؛ فَأَخْبِرْهُم أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِم فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم، فَإِنْ هُم أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّـاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِم" ، ووجه استدلالهم بهذا الحديث أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ -وصف الَّذين تؤخذ منهم الزَّكاة بالغِنَى، ومَنْ تـُدْفع إليهم الزَّكاة بالفقر، ومن المعلوم أنَّ الزَّكاة لا تجب إلَّا على مَنْ ملك النِّصاب، فإذا كان الأغنيـاء هم أهل النِّصاب؛ وجب أن يكون الفقراء ضدَّهم.

 القَوْلُ الثَّانِي: حيـث حـدَّد أصحاب القول الثَّاني القدر الَّذي يوصف معه الغنيُّ بالغِنى، والفقيـر بالفقر عن طريق تحديد مبالغ مالية، كما يأتي:

١-  فذهب أحمد بن حنبل والثَّوري، وابن المبارك : بأنَّ حدَّ الفقر شرعًا ألَّا يكون للـشَّخص خمـسون درهما، أو قيمتها من الذَّهب، وحد الغنى أن يكون للمرء خمسون درهمًا، أو قيمتها مـن الـذَّهب، واستدلَّ أصحاب هذا القول بما رواه الدَّار قطني عن عبد الله بن مسعود عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ -قـال: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِرَجُلٍ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا" 

 

٢- وذهب الحسن البصريُّ إلى أنَّ حدَّ الفقر شرعًا ألَّا يملك الإنسان الأربعين درهما، أو قيمتها من الذَّهب، واستدلَّ الحسن البصريُّ بما رواه عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ -يقـول: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ، أَوْ كُدُوحٌ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ" 

 

٣- وقال قوم: إنَّ حدَّ الفقر شرعًا ألَّا يملك المرء عشاء ليلة، وحدَّ الغِنَى عكسه، وقـد رُوِيَ هـذا القَوْلُ عن عليٍّ - كرم اللَّهُ وجهه - .

 

وقد احتجَّ أصحاب هذا القول بحديث الإمام عليٍّ- كرم اللَّهُ وجهه - عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ -أنَّه قال: "مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً عَنْ ظَهْرِ غِنًى اسْتَكْثَرَ بِهَا مِنْ رَضَفِ  جَهَنَّـمَ، قَالُـوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا ظَهْرُ الغِنَى؟ قَالَ: "عَشَاءُ لَيْلَةٍ" 

 القول الثَّالث: ذهب مالك، والشَّافعي -رحمها الله- إلى أنَّ حدَّ الفقر شرعًا هو ألَّا يملك الإنسان ما يكفيه من المال، وحدَّ الغني عكس ذلك، لكن أصحاب هذا الرَّأي قد اختلفـوا فـي تحديـد وبيـان الضَّابط لما يكفي الإنسان من المال ، فقال الإمام الشَّافعي: هو أقلُّ ما يمكن أن يطلق عليه اسم أنَّه يكفي،  وقال مالك بأنَّه ليس في ذلك حدَّ معيَّن، وإنَّما هو راجع إلى الاجتهاد،  والإمام الشَّافعي- رَحِمَهُ اللهُ - قد رأي أنَّه مَنْ كان قويًّا على الكسب، والتَّحرُّف مـع قـوَّة البـدن، وحسن التَّصرُّف حتَّى يغنيه ذلك عن النَّاس؛ فالصَّدقة عليه حرام ، واحتجَّ بحديث النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ  واله وَسَلَّمَ - "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سوي ،  " وهكذا فقد استدلَّ كلُّ فريق بما توفَّر بين يديه من أدلَّة شرعيَّة، والقول المناسب في العصر الحاضر هو القول  الذي يذهب الى أنَّ حدَّ الفقر عدم ملك الإنسان لما يكفيه مـن مال مع تقييد هذا الحدِّ أيضًا بعدم القدرة على

 الكسب، والعمل ليخرج بذلك المسكين الَّذي يأتيه مال لا يكفيه مع كونه يعمل. اما الفَقْرُ فِي اصْطِلَاحِ الاقْتِصَادِيِّينَ: فله  عدَّة معان منها: الفقر يعني العجز عن إشباع الحاجات الأساسيَّة أو الضَّروريَّة،  الفقير هو مَنْ لا يمتلك شيئًا، والشُّعوب الفقيرة هي الشُّعوب الَّتي يكون أغلب مواطنيها من المعد مين أو الفقر: انخفاض الدَّخل عن مستوى معيَّن في السَّنة، الفقر :إحساس الفرد، أو الشَّعب بأنَّه يعيش عند مستوى يقلُّ عمَّا يعيش عنده أفراد، أو شعوب أخرى، ويعني ذلك أنَّ الفقر مسالة نسبيَّة،  الفقر: بمعنى انعدام الرَّفاهية، أو انخفاض مستوى المعيشة، الفقر بمعنى انعدام الحيلة، وانعدام القدرة على التَّعبير، ممَّا يحدِّد من قدرة الفقير على الاختيار، والاستفادة من الفرص، أو هو عجز موارد الفرد المالية عن الوفاء بحاجته الاقتصادية،  وخلاصة القول: ان الفقر يدور مفهومه حول "الحرمان النِّسبيِّ" لفئة معيَّنة من فئات المجتمع، فالفقير إلى الشَّيء لا يكون فقيرًا إليه إلَّا إذا كان في حاجة إليه، وهنا تظهر أهمِّيَّة البعد المادِّيِّ في تحقيق الحاجات من مأكل، وملبس، ومسكن وغيره.   

الوجه الرابع: التلازم بين شرط الفقر وشرط ان ترك خيرا في استحقاق الوصية الواجبة: 

كان قوله تعالى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ...}[سورة البقرة آية (180)] هو الدليل القوي لدى الفقهاء الذين ذهبوا إلى تقرير الوصية الواجبة، وهذه الآية الكريمة كانت أيضاً الدليل الذي استندت إليه غالبية قوانين الدول العربية التي فرضت الوصية الواجبة في قوانينها، ومن هذه الآية الكريمة استفاد الفقهاء شرط: ان ترك الجد المال الكثير حتى يستحق ابناء الأبن الوصية الواجبة، وقد ذهب الفقهاء إلى أن المقصود من قوله تعالى: (أن ترك خيراً) هو: أن لا يتجاوز بالوصية الثلث وأن لا يوصي للأغنياء ويترك الفقراء أو يوصي للقريب ويترك الأقرب مع أنه أشد فقراً ومسكنة، وقال الفقيه يوسف بن أحمد بن عثمان صاحب الثمرات اليانعة الجزء الأول ص٣٦٠( أن العلماء اختلفوا في قدر (خيراً) المذكور في الآية الكريمة السابق ذكرها على أقوال: فقال: قتادة ألف درهم، وقال النخعي من خمسمائة إلى ألف درهم، وقال: بن عباس: ثمانمائة، وقال الأمام علي: أربعة آلاف درهم، وقالت عائشة: أربعمائة، وقيل أنه على قدر حال الرجل وقدر عوّله وصححه القاضي، لأن شخصاً قد يوصف بأنه غني بقدر من المال ولا يوصف به آخر لكثرة الانفاق، وقال الحسن وعمرو بن عبيد: يكون للأقرب إليه وإن كان غنياً، وقال ابن مسعود وواصل بن عطاء: يكون للأحوج)، ومن خلال ما تقدم يظهر لنا التلازم فيما بين الشرطين: أن تكون التركة زائدة وان يكون ابناء الأبن فقراء – وهذا الأمر يتفاوت من تركة إلى تركة ومن ابناء ابن إلى أبناء ابن اخرين ، فالفقر يقاس على قدر التركة الزائدة، ولذلك فإن القضاء في اليمن يرضخ لابناء الأبن الوصية الواجبة  على أساس أن الفقر شرط نسبي وان الأصل ان جميع أبناء الأبن فقراء الا ان إذا كان غنى أبناء الأبن ظاهرا وثابتا أمام القضاء يزيد كثيرا على تركة جدهم ، والله اعلم 


الأحد، 14 أغسطس 2022

إثبات سبب الشفعة في القانون اليمني

 إثبات سبب الشفعة في القانون اليمني 


 أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
 الشفعة دعوى أو طلب يصدر من الشفيع، والشفعة لها أسبابها المحددة في القانون المدني على سبيل الحصر، فلا يحق للشخص طلب الشفعة إلا إذا توفر سببها، وهو الإشتراك والخلطة في أصل المال أو الطريق إليه أو الإشتراك في حق الشرب، ولذلك يجب على الشفيع طالب الشفعة ان يثبت سبب الشفعة بالطرق المقررة قانوناً حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-1-2013م في الطعن رقم (49791)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فالدائرة تجد أن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه، : أن الشعبة الاستئنافية لم تنفذ قرارها بإلزام المطعون ضده بإيصال أصل بصيرة الشراء للعين محل دعوى الشفعة حتى يتضح أن له حق الشفعة كونه شريكاً في الأرض محل الشفعة، والدائرة تجد أن مناعي الطاعن في غير محلها، لأن محكمة أول درجة قد سارت في إجراءات القضية حتى توصلت إلى عدم إستحقاق الطاعن الشفعة لعدم إستطاعته إثبات تملكه هو والبائع للمطعون ضده للأرضية المشفوع فيها أو الإثبات بتنازل المالك السابق لهما، وقد أيدت الشعبة الاستئنافية الحكم الابتدائي بعد أن توصلت إلى سلامة الحكم الابتدائي وإجراءاته حسبما هو ثابت في محصل الحكم وأسبابه، ولذلك تكون الشعبة قد اصابت فيما قضت به)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
 الأوجه الأتية: 
الوجه الأول: أسباب الشفعة في القانون المدني وطلب الشفعة: وفقاً للمادتين (1256 و1257) مدني فقد حصر القانون أسباب الشفعة في الإشتراك أو الخلطة في أصل العين أو في حق الشرب ومجراه وفي الطريق، في حين بينت المادتان (1274 و1275) مدني بينتا كيفية طلب الشفيع الشفعة وإجراءات ذلك حيث نصت المادة (1274) على: أن يقوم الشفيع بطلب الشفعة في مجلس البيع إن كان حاضراً أو في مجلس علمه إن كان غائباً، فإن لم يسلم بطلبه فيلجأ الشفيع إلى القضاء

الوجه الثاني: إثبات سبب الشفعة: سبب الشفعة: هو الخلطة والإشتراك في أصل العين أو الطريق لها أو حقها في الشرب حسبما سبق بيانه، وعلى هذا الأساس فإن طلب الشفعة أو دعوى الشفعة تتضمن سبب الشفعة، وبما أن طالب الشفعة في مركز المدعي المطالب بالشفعة فإن عبء إثبات وجود سبب الشفعة يقع على عاتقه، فهو المدعي الملزم بإثبات صحة دعواه بالشفعة.

 الوجه الثالث: كيفية  وإجراءات  إثبات  سبب  الشفعة:

 أصل العين بإعتباره حقاً من حقوق الملكية الأصلية يتم إثباته عن طريق الوثائق المعدة قانوناً لإثبات إنتقال الملكية بالشراء أو عن طريق الإرث أو عن طريق الوصية أو الهبة أو غيرها من التصرفات الناقلة للملكية، أما إثبات سبب الشفعة في الشرب أو حق الطريق فهما من حقوق الملكية الفرعية حيث يتم إثبات أالاشتراك في حق الشرب اوالطريق عن طريق وثائق ملكية العين الأصلية التي قد يرد فيها ذكر توابعها من المساقي والمراهق كما يتم إثباتهما بواسطة طرق الإثبات المقررة قانوناً كالشهادة والمعاينة وتقارير الخبراء العدول.

 الوجه الرابع: مدى جواز مطالبة الشفيع المدعي بالشفعة للمشتري بتقديم وثيقة الشراء للاستدلال بها على شراكته في الأرض المبيعة إلى المشتري من قبل البائع شريك الشفيع: ظل الطاعن الشفيع يطالب أمام المحكمتين الابتدائية والاستئنافية والمحكمة العليا بإلزام المشتري المشفوع منه بتقديم بصيرة شرائه للأرض المشفوعة للتأكد من أن تلك الأرض مشتركة فيما بين الشفيع والبائع لها للمشتري، وتم رفض طلب الشفيع في هذه الحالة، لأنه كما سبق القول أن طالب الشفعة في مركز المدعي الذي يجب عليه إثبات صحة دعواه، علاوة على أن الطاعن الشفيع عجز عن تقديم أي دليل أو قرينة على ان الأرض المبيعة مشتركة فيما بينه وبين البائع إلى المشتري المشفوع منه، فلو استطاع الشفيع أن يقدم قرينة على أنه شريك للبائع للأرض لكان من حقه مطالبة البائع شريكه بتقديم وثيقة الملكية المشتركة وفقاً للمادة (112) إثبات التي اجازت للخصم ان يطلب من المحكمة الزام خصمه بتقديم الدليل المشترك الموجود بحوزته طالما ان هذا المستند مشترك بينهما ، والله اعلم .


 

الخميس، 4 أغسطس 2022

حق الارتفاق في القانون اليمني

حق الارتفاق لا يسقط بالتقادم أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء قضى الحكم محل تعليقنا بأن حق الارتفاق لا يسقط إلا في الأحوال التي حددها القانون المدني ، ولذلك لا يسقط حق الارتفاق بالتقادم المنصوص عليه في قانون الإثبات،كما أن حق الارتفاق بعد ثبوته لايسقط بعدم استعمال صاحبه حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-12-2014م في الطعن رقم (55792) الذي ورد ضمن أسبابه: ((فإن الدائرة بعد الرجوع إلى ملف القضية تجد أن ما نعى به الطاعن في أسباب طعنه وارد ومؤثر في الحكم المطعون فيه، حيث ذكر الطاعن ان المحكمة الإبتدائية خالفت الشرع والقانون واستندت في حكمها إلى مواد قانونية في غير محلها، وقصرت المسألة في حق الارتفاق لموضع باب السمسرة وعلى غرارها الخاطئ سارت الشعبة الاستئنافية دون الأخذ في الاعتبار إلى دعوى مورثنا ابتداء وقد جاء ذلك القضاء المخالف للشرع والقانون فيما قضى به الحكم من تعويضنا مليون ريالا عن حق الارتفاق لباب السمسرة ونزع ملكيتنا في ذلك لمصلحة شخصية دون تعويض عادل...إلخ ماذكره الطاعن ، وقد تبين للدائرة من خلال الأوراق أن الشعبة ومن قبلها المحكمة الابتدائية قد قصرتا في استيعاب نظر القضية موضوعا، وذلك لقضائهما بنزع حق الارتفاق المدعى به بعد أن تبين لمحكمة أول درجة صحة دعوى المدعين في حقهم في الانتفاع في الممر محل النزاع، وذلك من خلال أن بصيرة المدعين شملت ذلك الحق للمدعين، وحيث تبين قيام المدعى عليهما الأول والثاني بالتصرف بالمدعى به إلى المدعى عليه الثالث حال كونه محملاً بحق الارتفاق للمدعين، وبما أن الحقوق العينية الفرعية لا تنفرد بالحكم كونها تابعة لأصل المبيع المشترى من قبل والد المدعين، وحيث أن ما يحتج به المدعى عليهما الأول والثاني أن والد المدعين قد سد الباب الخاص بالسمسرة فإن ذلك ليس مبرراً لحرمان المدعين من حق الانتفاع بالممر محل النزاع، ذلك أن القانون المدني قد نص في المادة (1354) مدني على أنه: (إذا قام أحد الشركاء في الطريق بسد بابه المفتوح إليه فلا يسقط حقه في المرور فيه ويجوز له ولخلفه من بعده أن يعيد فتح الباب متى شاء)، وما اثاره المدعى عليهم من أن السمسرة قد مضى على سد بابها ستون عاماً ليس صحيحا، لإن إنتهاء حق الارتفاق ليس محدداً بمدة فلاينتهي الا في الحالات التي حددها نص المادة (1378) مدني ومنها الاتفاق على انهاء حالة الارتفاق وزوال محله وتعذر استعمال الارتفاق وتنازل صاحب الارتفاق، وهذه الأحوال لا توجد فيما نحن بصدده، وحيث أن استناد محكمة أول درجة إلى قانون الإثبات وقولها ان قانون الإثبات اليمني قد نظم حالات عدم سماع الدعوى والمدد الزمنية لعدم السماع، فإن ذلك الاستناد في غير محله، لان القانون المدني في هذا النزاع هو القانون الخاص الواجب إعماله، وقد عالج حالات الارتفاق بما فيه الكفاية، ولما كان الأمر كذلك وحيث تحقق سبب الطعن الذي نعى به الطاعنان على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفقاً للمادة (292/1) مرافعات فأنه من المتعين قبول الطعن موضوعاً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: الوجه الأول: ماهية حق الارتفاق وإنشائه: عرف القانون المدني حق الارتفاق في المادة (1340) التي نصت على أن: (الارتفاق منفعة مقررة على عقار تحد من انتفاع مالكه به لمصلحة عامة أو خاصة) وبينت المادة (1341) مدني كيفية إنشاء حق الارتفاق، حيث نصت هذه المادة على أن: (يكتسب الارتفاق بإذن المالك أو بالتصرف الشرعي أو بالميراث أو بالعرف ويجوز أن يترتب على مال عام إن كان لا يتعارض مع الاستعمال المخصص لهذا المال)، وتندرج ضمن حقوق الارتفاق حق الطريق وحق المرور وحق الشرب وحق المجرى (ماء الري) وحق المسيل، وقد تناول الحكم محل تعليقنا حق المرور والطريق. الوجه الثاني: لا يسقط حق الارتفاق بعدم الاستعمال أو التقادم: قضى الحكم محل تعليقنا بأن حق الارتفاق لا يسقط بعد ثبوته بعدم استعمال صاحب الحق، وقضى الحكم بأن حق الارتفاق لا يتقادم بمضي المدة على عدم استعماله بعد ثبوته، وسند الحكم محل تعليقنا في قضائه المادة (1378) مدني التي نصت على أن: (ينتهي حق الارتفاق في الأحوال الآتية: -1- إنتهاء الأجل -2- زوال محله -3- إجتماع العقارين المرتفق والمرتفق به في يد مالك واحد، ويعود الارتفاق إذا زال سبب ذلك بإبطال أو فسخ أو نحوهما -4- تعذر استعمال الارتفاق بسبب تغير طرأ على أحد العقارين الخادم والمنتفع ويعود اذا عادا إلى ما كانا عليه -5- تنازل صاحب الارتفاق عن استخدامه وإعلام مالك العقار الخادم بذلك -6- زوال الفائدة منه وإذا بقيت له فائدة محدودة لا تتفق مع الاعباء الواقعة على العقار الخادم جاز إنهائه)، فقد ذهب الحكم محل تعليقنا إلى أن حق الارتفاق لا ينتهي ولا يتقادم ولا يسقط إلا في الأحوال المحددة في هذه المادة، باعتبار القانون المدني قانون خاص يقيد عمومية أحكام التقادم المنصوص عليها في قانون الإثبات، وان النص الوارد في القانون المدني أولى في التطبيق من أحكام التقادم الواردة في قانون الإثبات. الوجه الثالث: يجوز للمنتفع أن يعود إلى استعمال حق الارتفاق بعد تركه: كانت القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا تتلخص في أن صاحب البناء( السمسرة )كان له باب مفتوح على الممر يستعمله في الدخول والخروج إلى البناء ولم يكن حينها يعارضه أحد في ذلك، فقام صاحب البناء من تلقاء نفسه بسد ذلك الباب واستعمال الباب الآخر للبناء الواقع في الجهة المقابلة – وبعد مدة اراد صاحب البناء إعادة فتح الباب الذي سبق له ان سده فعارضه جاره متمسكاً بسقوط حقه في استعمال المرور لتركه هذا الحق لمدة طويلة( 60 ) عاما، فقضى الحكم محل تعليقنا بأن حق الارتفاق لا يتقادم، وأنه يجوز للمنتفع العودة لاستعمال حقه بعد تركه وأستند الحكم في ذلك إلى المادة (1354) مدني التي نصت على أنه: (إذا قام أحد الشركاء في الطريق الخاص بسد بابه المفتوح إليه فلا يسقط حقه في المرور فيه ويجوز له ولخلفه من بعده أن يعيد فتح الباب متى شاء)، والله اعلم .