الأحد، 4 سبتمبر 2022

حضانة الأم الموظفة

 حضانة الأم الموظفة في القانون اليمني 

قانون الحضانة اليمني احكام الحضانة في اليمن

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الأم أولى بحضانة طفلها, فهذا من المسلمات في الشرع والقانون، ولكن الخلاف يثور بشأن تأثير الاعباء الوظيفية على الأم الحاضنة حيث يتذرع البعض  بذلك لحرمان الأم الموظفة من حقها الفطري في حضانة طفلها بذريعة أن الوظيفة خارج البيت تشغل الأم الموظفة عن القيام بواجبات الحضانة ،وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان : قيام الأم الموظفة بواجباتها الوظيفية  المعتادة لايشغلها عن الحضانة ولايسقط حقها في حضانة وليدها، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/5/2018م في الطعن رقم (61053)، الذي قضى بأنه ((اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة تفاصيل ما ورد في عريضة الطعن المشار إليه والرد عليه وبعد الإطلاع على الحكم الابتدائي وما تعقبه لدى محكمة الاستئناف، ولدى تأمل الدائرة لذلك كله فقد وجدت عدم سلامة الحكم المطعون فيه وبطلانه لما شابه من القصور في التسبيب وإنعدام الأساس الذي بني عليه، فالأم هي الأحق بالحضانة وصلاحيتها لحضانة الطفلة تنسحب على الطفل المقدم بشأنه الدعوى، فلا مبرر للقول بعدم صلاحيتها لحضانة الطفل بعد نزعه منها كونها موظفة،مما يتعين قبول الطعن موضوعاً ونقض الحكم وإعادة القضية إلى الاستئناف للفصل فيها بحكم مسبب وفقاً للشرع والقانون)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية: 

الوجه الأول: ماهية الحضانة وأولوية الأم فيها: 

الحضانة هي حفظ الصغير مما يضره والقيام بأمره كالطعام والشراب والنظافة لانه لا يستطيع القيام بذلك، بالإضافة إلى تربيته التربية الصالحة وتعويده السلوك القويم، وقد اشارت إلى واجبات الحضانة المادة (138) أحوال شخصية، ولفرط شفقة الأم وحنانها وعطفها وموفور شفقتها على طفلها فقد اعطى الشرع والقانون الأولوية للأم في حضانة طفلها، ولذلك نصت المادة (141) أحوال شخصية على ان (الأم أولى بحضانة ولدها بشرط ثبوت اهليتها للحضانة) وتنص المادة (138) على ان الحضانة (حق للصغير فلا يجوز النزول عنها). 

الوجه الثاني: مدى تأثير الوظيفة على الحضانة: 

الوظيفة تستلزم من الأم الموظفة اداء واجباتها الوظيفية في مقر الجهة التي تعمل بها بعيداً عن وليدها المحضون لفترة تصل إلى ثمان ساعات يومياً بإستثناء أيام الاجازات والعطل، وخلال هذه الفترة اليومية الطويلة يحتاج المحضون إلى من يقوم بأمره لاسيما إذا كان سنه يقل عن ثلاث سنوات،ولذلك اشترط  قانون الاحوال الشخصية في المادة(140)(أن لاتنشغل عن الحضانة خارج البيت إلا إذا  وجد من يقوم بحاجته)،فمعنى هذا النص انه إذا كان للأم الموظفة قريبة أو صديقة أو شغالة أو جارة صالحة تقوم بالإشراف والمراقبة للمحضون خلال فترة قيام أمه الموظفة بوظيفتها ،فلا يكون ذلك مخل بحق الأم الموظفة في حضانة طفلها واولويتها في ذلك، وكذلك الحال إذا استودعت الأم  الموظفة الطفل روضة أو حضانة من حضانات الأطفال التي تتولى فيها المربيات الإشراف والملاحظة والمراقبة للأطفال المسجلين في الحضانة أو الروضة والقيام بأمرهم. ففي هذه الاحوال يكون قيام الموظفة بواجبها الوظيفي لا يخل بحقها في الحضانة، غير انه إذا كانت طبيعة وظيفة الأم تستدعي سفرها إلى اماكن مختلفة وبصفة منتظمة فإن ذلك مخل بحقها في الحضانة، لان الأم الموظفة الحاضنة قد اسندت كل اعمال ومهام الحضانة طوال الوقت إلى غيرها فعندئذ تنتفي الغاية من أولوية الأم في الحضانة، لان التي تقوم بالفعل بالحضانة طوال الوقت في هذه الحالة  غير الأم الحاضنة. 

الوجه الثالث: الحق الدستوري والقانوني للأم الحاضنة في الوظيفة والعمل: 

ينص الدستور صراحة على حق المرأة عامة في الوظيفة والعمل، وهذا ما تنص عليه أيضاً القوانين ذات العلاقة، ولذلك فإن قيام الأم الموظفة الحاضنة بواجباتها الوظيفية لا يعني تجريدها من حقها في حضانة طفلها، فالوظيفة أو العمل حق وواجب على جميع اليمنيين رجالاً ونساءً ،ولذلك فإن قانون الأحوال الشخصية لم يشترط ان لا تكون الحاضنة موظفة ولم يستثني الأم الموظفة من حقها في الحضانة واولويتها في ذلك. 

الوجه الرابع: الموازنة بين حق الأم الموظفة في العمل وحقها في الحضانة: 

المتأمل في النصوص القانونية ذات العلاقة بالموضوع يجد ان القانون يوازن بين الحقين موازنة دقيقة ،فمن حق الأم الحاضنة ان تعمل في وظيفتها المناسبة لها بل ان ذلك واجب عليها ،وبالمقابل فإنه يجب عليها ان لا تفرط في الحق أو الواجب الآخر وهو حضانة طفلها ورعايته والاهتمام به، وبناءً على ذلك إذا استطاعت الأم الموظفة الحاضنة الموازنة بين الحقين فإن حقها في الحضانة لا يسقط لانها موظفة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. 

الوجه الخامس: إستطاعة الأم الموظفة ونجاحها في حضانة الطفلة دليل على قدرتها وإستطاعتها حضانة الولد: 

 في الحكم محل تعليقنا كان الخلاف بين الأم والأب المنفصلين على حضانة الأبن حيث قام الأب بنزع الأبن من امه فكانت محكمة الموضوع قد توصلت إلى ان الأم الحاضنة منشغلة بوظيفتها خارج البيت ولن تستطيع القيام بأعمال الحضانة للأبن والأبنة معاً فيكفيها حضانة الأبنة، إلا أن الحكم محل تعليقنا قضى بان إستطاعة الأم الموظفة وقدرتها على حضانة الأبنة دليل على قدرتها أيضاً على حضانة الطفل، وان وظيفتها لن تشغلها عن رعاية طفليها والاهتمام بهما. 

الوجه السادس: عاطفة الأمومة وشفقتها لا تتأثر بالوظيفة: 

عندما قرر الشرع والقانون أولوية الأم في حضانة وليدها كان أساس ذلك تقدير مصلحة الطفل المحضون،لان الأم هي التي اعدها الله سبحانه وتعالى لحضانة اطفالها واودع فيها عاطفة الأمومة الجياشة وشدة شفقتها على صغارها وصبرها وجلدها على شقاواتهم، ولان عاطفة الأمومة فطرة فطرها الله تبارك وتعالى فلا تأثير للوظيفة عليها، فلا يعقل ان يكون القاضي أو غيره اشفق على الصغار من أمهم، ففطرة الأمومة وعاطفتها أودعها الله في الأمهات جميعاً موظفات وعاطلات، وإن شذت بعض النسوة عن الفطرة فإن التشريع للغالب،والله اعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق