آثار العفو عن القصاص في القانون اليمني
آثار العفو عن القصاص في القانون اليمني أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء عفو اولياء الدم عن القصاص يقتصر اثره على إسقاط
القصاص فقط، فلايتعدى أثر العفو الى الحق العام الذي لايسقط بالعفو، حيث تتم معاقبة
القاتل بالعقوبة التعزيرية المقررة قانونا في الحق العام، كما ان إجراءات العفو لها
إجراءاتها التي تختلف بإختلاف درجة التقاضي حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة
الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/5/2018م في الطعن رقم
(3595)، الذي ورد في أسبابه انه ((وبإطلاع الدائرة على المرفقات ومنها صورة تنازل
وعفو من قبل ورثة القتيل عن دم مؤرثهم وقد كان هذا العفو عن القاتل عفواً مطلقاً
لوجه الله تعالى بشرط مغادرته نهائياً عزلة ... في مديرية ...، وقد تم التوقيع على
التنازل من قبل الورثة كما تم توثيقه من قبل قلم التوثيق في محكمة...، ،وحيث ان
الحال كما سبق ذكره ولكون إثبات التنازل المرفقة صورته يستلزم إثباته لدى المحكمة
التي اصدرت الحكم الابتدائي وتقرير صحته وتقرير عقوبة بديلة إعمالا للمادة (235)
عقوبات وحيث أن ذلك مناط بالمحكمة المختصة، لذلك تقرر الدائرة إعادة ملف القضية مع
صورة التنازل إلى مكتب النائب العام لإحالة التنازل إلى المحكمة المختصة للفصل في
ذلك بحكم وفق للشرع والقانون)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الأوجه الأتية: الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا: أستند الحكم محل
تعليقنا إلى المادة (235) عقوبات التي نصت على انه (إذا عفى ولي الدم مطلقاً أو
مجانا أو بشرط الدية جاز للمحكمة تعزير الجاني بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات
ويجوز ان تصل العقوبة إلى الإعدام في هذه الحالة: إذا توفر مع القتل احد الظروف
الواردة في الفقرة الثالثة من المادة السابقة) فهذه المادة تصرح بان اثر العفو عن
القصاص قاصر على حق اولياء الدم في القصاص، وعلى ذلك يظل الحق العام في معاقبة
القاتل الذي عفى عنه أولياء الدم، لان جريمة القتل تجتمع فيها ثلاثة حقوق؛ حق العبد
في القصاص وهو الغالب على غيره من الحقوق الثلاثة، وهناك حق ثان وهو حق المجتمع في
تعزير القاتل الذي يشكل خطراً على المجتمع، وهناك حق ثالث وهو حق الله تبارك وتعالى
وهو الكفارة عند بعض الفقهاء الذين اوجبوا الكفارة في القتل العمد من باب اولى
قياساً على الكفارة في القتل الخطأ، وصفوة القول: ان عفو اولياء الدم يسقط القصاص
ولكنه لايسقط العقوبة التعزيرية المقررة في الحق العام، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل
تعليقنا قد ارشد محكمة أول درجة الى التأكد من صحة التنازل أو العفو عن القصاص
والحكم بالعقوبة التعزيرية بمقتضى المادة (236) عقوبات وهي المادة التي استند إليها
الحكم. الوجه الثاني: حجية صورة وثيقة العفو عن القصاص: قضى الحكم محل تعليقنا
بإعادة ملف القضية إلى المحكمة الابتدائية التي اصدرت الحكم الابتدائي وذلك للتأكد
من اصل وثيقة العفو (التنازل عن القصاص) لان اصل الوثيقة لم يكن معروضا على المحكمة
العليا ولذلك لم تفصل المحكمة في التنازل أو تقبله، لأن قانون الاثبات ينص على ان
الحجية لأصول الوثائق ، ولذلك فقد قضت المحكمة العليا بإعادة القضية إلى المحكمة
الابتدائية لاستدعاء الاطراف والوقوف على أصل الوثيقة للتأكد من صحة وسلامة
الوثيقة، فلو كان أصل الوثيقة موجودا أمام المحكمة العليا لقضت بالعمل بموجب
التنازل اوالعفو وإسقاط القصاص بموجب ذلك وإحالة القضية إلى المحكمة الابتدائية
لتقرير العقوبة التعزيرية اللازمة في الحق العام. الوجه الثالث: مغادرة القاتل
لمكان إقامة اسرة القتيل كمقابل للعفو: من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان
اولياء الدم قد عفو عن القاتل من غير مقابل إلا أنهم اشترطوا مغادرة القاتل المعفو
عنه للعزلة التي يقيم فيها اولياء دم المجني عليه، وهذا الشرط موافق للشرع
والقانون، لان وجود القاتل أمام أعين أولياء الدم يثير حفيظتهم ويستفزهم مما قد
يدفعهم إلى قتله، ولذلك يشترط اغلب الأشخاص في اليمن مغادرة القاتل المعفو عنه
المكان الذي يقيم فيه أولياء الدم. الوجه الرابع: إجراءات العفو عن القصاص أو
التنازل: تختلف إجراءات العفو عن القصاص بإختلاف درجة التقاضي، فإذا كانت القضية
لازالت منظورة أمام محكمة الموضوع فان الافضل ان يتم حضور اولياء الدم أمام المحكمة
في جلسة المحاكمة وإثبات عفوهم أو تنازلهم في محضر الجلسة كما انه من الممكن ان يتم
تحرير وثيقة العفو خارج المحكمة وتقديمها في جلسة المحاكمة، إما العفو أمام المحكمة
العليا بإعتبارها محكمة قانون فلا يتم إلا عن طريقة وثيقة اصلية صريحة تفيد التنازل
أو العفو على ان يتم توثيقها لدى المحكمة المختصة، كما انه من الجائز أمام محكمة
الموضوع ان يتم إثبات العفو عن القصاص عن طريق وسائل الإثبات الأخرى كشهادات الشهود
الذين يحضروا أمام المحكمة للأدلاء بشهاداتهم بان اولياء الدم قد عفو أو صفحوا أو
تنازلوا فوق قبر المجني عليه أو عند قدوم أهل القاتل إلى اولياء الدم لمراضاتهم
وطلب العفو وهذا يحدث في اليمن كثير،والله اعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق