عقد البيع في القانون اليمني
توثيق عقد البيع لا يحصنه إذا ثبتعدم إستلام الثمن
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
قضى الحكم محل تعليقنا بأن توثيق عقد البيع وصيرورته محرراً رسمياً لا يحوّل دون إبطاله إذا ثبت أن البائع لم يستلم الثمن حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/11/2014م في الطعن رقم (55766)، حيث جاء في أسباب الحكم الابتدائي ((أن البين في أقوال المدعي أنه لم يستلم أي مبلغ من الثمن المذكور في عقد بيع المنزل، فالثابت من إفادة قلم التوثيق أن وكيل المشتري قد اقنع البائعين المدعي وزوجته على التوقيع على عقد البيع على أساس أن الثمن سوف يكون عندهما مساء اليوم....إلخ - أي أن البائعين لم يستلما أي مبلغ اثناء توقيعهما أمام قلم التوثيق الأمر المتعين معه القول بصورية العقد وإن الغرض منه حرمان البائعين من ثمن المبيع لقيام وكيل المشتري المدعى عليه بالتغرير والتدليس على المدعي وزوجته لكبر سنهما مما يستلزم الحكم بصحة الدعوى وإبطال العقد المذكور)) وعند إستئناف الحكم الابتدائي قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي، وجاء في أسباب الحكم الاستئنافي ((فقد تبين صحة قضاء الحكم الابتدائي لاستناده إلى المذكرة الصادرة من قلم التوثيق بخصوص عقد البيع التي جاء فيها ان اصرار وكيل المشتري على تعميد العقد وتوقيعه على أساس ان المشتري سوف يرسل الثمن المتفق عليه مساء اليوم الذي تم إبرام العقد وتوثيقها وذلك بعد ان يرسلوا صورة عقد البيع موثقة إلى المشتري في الخارج...إلخ ما جاء في مذكرة قلم التوثيق، وحيث أن البائع المستأنف ضده بذل اليمين أمام الشعبة بأنه لم يستلم أي مبلغ من الثمن المذكور في العقد، لذلك فليس أمام الشعبة سوى تأييد الحكم الابتدائي)) وقد قضت الدائرة المدنية بإقرار الحكم الاستئنافي، وجاء في أسباب حكمها (( أما ما ورد في السبب الثالث فإن عقد البيع حجة وأنه تم التوقيع عليه وتوثيقه فأنه مردود بما ورد في مذكرة قلم التوثيق التي أستند عليها الحكم المطعون فيه)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجة الأول: الوضعية القانونية لثمن الأرض المبيع
الثمن: هو عوض الأرض المبيعة أي مقابلها، ولذلك فالثمن ركن من أركان البيع التي لاتقوم للبيع قائمة بدونه ، وتمام البيع هو: التسليم أي تسليم البائع الأرض المبيعة (التخلية) إلى المشتري وتسليم المشتري الثمن إلى البائع، وفي هذا المعنى نصت المادة (453) مدني على أن
اركان البيع ثلاثة هي: -1- صيغة العقد
-2- العاقدان وهما البائع والمشتري
-3- المعقود عليه (محل العقد) وهو المال المبيع والثمن)، وعلى أساس ان الثمن من أركان عقد البيع فإن عدم دفع الثمن يجعل عقد البيع منعدماً، لأن الإنعدام عند الفقهاء يتعلق بأركان الشيء الذي لا يقوم التصرف بدونه، فالركن هو الذي لا يقوم التصرف بدونه، وفي هذا السياق نصت المادة (551) مدني على أن: يلزم المشتري أداء الثمن في المكان والزمان الذي يستلم فيه المبيع وإذا كان الشيء حاضرا فيجب على المشتري ان يدفع الثمن أولاً، في حين نصت المادة (553) مدني على حق البائع في حبس المبيع حتى يستوفي الثمن.
الوجه الثاني: حجية عقد البيع العقاري بعد توثيقه:
بموجب قانون التوثيق فإن عقد البيع الذي يحرره الأمين الشرعي يكون محرراً عرفياً له حجيته بين اطرافه اي البائع والمشتري لكنه لا يكون محرراً رسمياً إلا بعد توثيقه من قبل قلم التوثيق، حيث يصير محرراً رسمياً له حجيته وفقاً لقانون التوثيق وقانون الإثبات، غير أنه لا تكون لعقد البيع العقاري حجيته المطلقة في مواجهة الكافة إلا إذا تم تسجيله في السجل العقاري، ولذلك فقد لاحظنا أن المشتري الطاعن المشار إليه في الحكم محل تعليقنا كان يجادل بشأن حجية عقد البيع العقاري لأنه بعد توثيقه قد صار محرراً رسمياً له حجيته الثبوتية، في حين قضى الحكم محل تعليقنا بأن توثيق عقد البيع في هذه الحالة لا يجدي طالما انه قد تخلف ركن من أركان عقد البيع وهو عدم دفع المشتري للثمن الذي تم إثبات عدم دفعه بأدلة عدة، منها إفادة قلم التوثيق بأن المشتري لم يدفع الثمن قبل توثيق عقد البيع أو في ساعة توثيق العقد.
الوجه الثالث: ماهية التوثيق لعقد البيع العقاري:
وفقاً لقانون التوثيق فإن التوثيق يعني التحقق والتثبت من الصفة العقدية لطرفي العقد من حيث اهليتهما للتعاقد والتأكد من شخصيتهما وملكيتهما لمحل البيع الأرض والثمن ومدى توفر المستندات الدالة على ذلك، إضافة إلى أن التوثيق يتجه إلى التحقق من توفر أركان عقد البيع العقاري وتحقق شروطه والتثبت من انتفاء عيوب الإرادة، ولذلك فقد لاحظنا في الحكم محل تعليقنا أن قلم التوثيق لم يقم بواجبه القانوني في التحقق من توفر أركان عقد البيع، فما كان ينبغي له أن يقوم بتوثيق العقد وقد ثبت له عدم تسليم المشتري للثمن، لأن الثمن ركن من أركان عقد البيع حسبما سبق بيانه، فضلاً عن أن قلم التوثيق قام بتوثيق العقد مع أن إرادة البائع قد اعتراها التدليس وهو عيب من عيوب الإرادة.
الوجه الرابع: إفادة قلم التوثيق المناقضة لتوثيق عقد البيع العقاري:
كانت إفادة قلم التوثيق بأن المشتري لم يدفع الثمن عند التوثيق أو قبله كانت هي الدليل الذي استند إليه الحكم محل تعليقنا في قضائه بإبطال عقد البيع العقاري الموثق، لأن هذه الإفادة كانت كتابية صادرة من قلم التوثيق المختص الذي قام بتوثيق عقد البيع الذي تخلف ركنه وشابه عيب من عيوب الإرادة وهو التدليس على البائع، فقد اعتمد الحكم محل تعليقنا على الإفادة لأنها عبارة عن تكذيب وإبطال لعملية توثيق عقد البيع المعيب، والله اعلم .
https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen
/b>
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق