الأحد، 8 يناير 2023

الحجر على الكبير في القانون اليمني

لا يقع الحجر على الكبير إلا بحكم أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء اطماع الدنيا جعلت الأولاد والأحفاد ينسبون إلى آبائهم واجدادهم واسلافهم الجنون والسفه والعته والبله والغفلة حتى يطعنوا في تصرفات الآباء والاسلاف، بل ان بعضهم يحاول الإستدلال على ادعاءاته بأقوال شهود أو مذكرات أو شهادات مكتوبة، في حين ان الشخص بعد بلوغه عاقلا لا يمنع من التصرف في ماله إلا بموجب حكم يصدر من القضاء بموجب دعوى يرفعها الشخص الذي له الصفة والمصلحة، فلا يصدر الحكم الابعد إجراءات المحاكمة العادلة ، وبإعتبار رافع الدعوى هو المدعي فيجب عليه ان يقدم الأدلة والبراهين القاطعة على الواقعة المنسوبة للمطلوب الحجر عليه أي واقعة الجنون أو السفه... وغيرها، ومقابل ذلك يحق للمدعى عليه في دعوى الحجر ان يدافع عن نفسه في مواجهة المدعي وان يدحض الدعوى وأدلتها، فلا ينبغي الحيلولة بينه وبين الدفاع عن نفسه عن طريق التنصيب عنه ، ومن خلال التداعي بين المدعي والمدعى عليه يستطيع القاضي ان يستبين الحق والحقيقة، فيكون حكمه عنواناً للحقيقة حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-12-2017م في الطعن رقم (59718)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي: ((ولما ان شهادة الشهود تعتبر دليلاً كافياً لإثبات صحة حجر فلان بن فلان عن التصرف بموجب أمر المحكمة الابتدائية))، إلا أن حكم المحكمة العليا نقض الحكم الاستئنافي مقرراً بأن الحجر لا يقع إلا بموجب حكم قضائي وليس بموجب أمر من المحكمة الابتدائية، فقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما قول الحكم الاستئنافي بأن شهادة الشهود كافية لإثبات صحة الحجر فهو قول غير سديد لمخالفته للقانون الذي ينص على ان الحجر لا يكون إلا بحكم على أن يتم اشهار الحكم بالإجراءات القانونية المبينة في المادة (69) من القانون المدني))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: الوجه الأول: ماهية الحجر ومن هم المحجورين؟ : الحجر هو منع الشخص من التصرف في أمواله الخاصة أو أموال الغير التي يديرها بموجب حكم قضائي يصدر بعد التحقق من جنون أو سفه أو عته الشخص المحكوم بمنعه من التصرف، وقد عرّفت المادة (55) مدني الحجر والمحجورين حيث نصت هذه المادة على أن (الحجر هو منع الشخص من التصرف في ماله ومنع نفاذ تصرفه فيه، وهو نوعان: -1-حجر لمصلحة المحجور عليه يكون على الصغير والمجنون والمعتوه والسفيه. -2-حجر لمصلحة الغير يكون على المفلس لمصلحة دائنيه وعلى المورث لمصلحة ورثته ودائنيه حيث لا مبرر لتصرفه وعلى الراهن لمصلحة المرتهن وغير ذلك مما ينص عليه القانون)، ومن خلال هذا النص يظهر ان المحجورين من التصرف هم الصغير والمجنون والمعتوه والسفه والمفلس والوارث والراهن ، ويظهر ان الغرض من الحجر هو المحافظة على أموال الصغير والمجنون والمعتوه والسفيه اما الغرض من الحجر على المفلس والوارث والراهن فهو حماية حقوق الغير، وبناء على ذلك لايجوز إيقاع الحجر على غير من شملهم النص السابق . الوجه الثاني: حالات الحجر التي لا تحتاج إلى حكم فيها: بينت المادة (57) مدني هذه الحالات، فقد نصت هذه المادة على أنه (لا يحتاج الحجر الى حكم في الاحوال الاتية: -1- على الصغير حتى يبلغ رشيدا. -2- على الصغير اذا بلغ مجنونا او معتوها او سفيها) لان المذكورين محجورون بحكم القانون فلايحتاج إلى حكم بإيقاع الحجر عليهم . الوجه الثالث: الحالات التي لا يجوز فيها الحجر إلا بحكم صادر من القضاء : حددت المادة (58) مدني هذه الحالات حيث نصت هذه المادة على أنه (يلزم الحكم بالحجر من محكمة موطن المحجور عليه في الاحوال الاتية: -1- الجنون الطارئ بعد الرشد. -2- السفه الطارئ بعد الرشد. وكل حكم يصدر بالحجر يعين منصوبا عن المحجور عليه يسلم اليه ماله لحفظه واستغلاله لمصلحة المحجور عليه طبقا لما هو منصوص عليه في قانون الوصية). الوجه الرابع : معنى الجنون والسفه والعته والبله والغفلة وقلة الخبرة : الجنون عند غالبية الفقهاء هو آفة تصيب العقل فتؤدي إلى اختلاله بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهجه إلاّ نادراً، وقيل: الجنون اختلال القوّة المميّزة بين الأشياء الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب بأن لا تظهر آثارها، وأن تتعطّل أفعالها، اي ان الجنون آفة تصيب العقل فتجعل المصاب به لايدرك ولايميز الأفعال والأقوال والتصرفات، فلايعرف المفيد أو الضار، والجنون المطبق عند الفقهاء يعدم الإرادة والاختيار، لان المجنون لايميز بين الضار والنافع من الأفعال والتصرفات، ولذلك يتم الحجر على المجنون بحكم قضائي اذا كان قد بلغ عاقلا فأصابه الجنون بعد بلوغه عاقلا، اما العته: فهو عبارة عن آفة ناشئة تسبب خللا في العقل تجعل المعتوه يشبه في بعض تصرفاته وأفعاله العقلاء في حين تشابه بعض أفعاله وتصرفاته المجانين، وان كانت حالة العته اخف من الجنون الا ان الحجر مقرر على المعتوه مثله في ذلك مثل المجنون، وياتي العته في المرتبة التالية للجنون ،ويلي المعتوه في المرتبة الابله : وهو الذي ضعف عقله أو هو الضعيف العقل الذي لايدرك الأمور والأفعال والتصرفات ولكنه لم يصل إلى حدّ الجنون، وحكم الابله هوحكم المعتوه بل ان بعض الفقهاء لايفرق بين المعتوه والابله. اما السفه فهو خِفَةُ الحلم والرأي، فيقال ثوبٌ سفيه إذَا كان خفيفاً، والسفه جهالة وخفة عقل وحماقة، و السفه في مصطلح الفقهاء هو إساءة التصرف أو التصرف بما يناقض الحكمة وعدم القدرة على التصرف في المال وتدبيره.،ومن خلال استقراء النص السابق نجد أنه القانون قد الحق السفيه بالمجنون فيما يتعلق بالحجر عليه،وان كانت أحكام السفيه الآخرى تختلف عن أحكام المجنون، ويلي السفيه في المرتبة المغفل وهو الذي تنطلي عليه بعض الأفعال مع انه يدرك ماهية الأفعال والتصرفات بخلاف المجنون والمعتوه، ويلي المغفل عديم الخبرة وهو من لديه الخبرة والدراية ببعض الأفعال والتصرفات والأشياء غير أن خبرته في بعض التصرفات تكون منعدمة أو ناقصة أو محدودة، وغالب الناس من هذا النوع، ولم يشرع الحجر إلا على المجنون والمعتوه والسفيه حسبما سبق بيانه، في حين يشرع الخيار بالنسبة للمغفل وعديم الخبرة أو ناقصها، ويذكر الفقهاء البله والغفلة وعدم الخبرة حتى يكون الجنون والعته والسفه واضحا .( فقه المعاملات المالية المعاصرة، ا. د. عبد المؤمن شجاع الدين ص84). الوجه الخامس : إثبات الجنون العته والسفه : يتم إثبات ذلك بوسيلتين :الأولى : عن طريق شهادات الشهود المخالطين أو الذين يشاهدوا تصرفات افعال السفيه أو المجنون أو المعتوه، لان هذه الإعراض وان كانت عبارة عن آفة داخلية تصيب عقل المصاب بها الا ان هناك اقوال وأفعال وتصرفات تدل على ان الشخص مصاب بالجنون أو العته أو السفه وغيرها، وهذه الأمور يمكن للشهود مشاهدتها، ولذلك يمكن إثباتها عن الشهادة، كذلك يمكن إثبات اعراض الجنون والسفه والعته عن طريق الخبرة الطبية، فيتم عرض المصاب على المختصين في الأمراض العقلية والعصبية والنفسية، فيقوم هولاء الخبراء بالفحص والكشف على المصاب وكذا يقوم الخبراء بعقد جلسات مع المصاب لمعرفة تفاصيل المرض وأعراضه وتأثيره على تصرفات المصاب. الوجه السادس : إجراءات صدور الحكم بإيقاع الحجر: يصدر حكم الحجر بناء على دعوى حجر يتقدم بها من له صفة ومصلحة، وهو المتضرر من تصرفات المطلوب الحجر عليه، حيث يجب عليه أن يرفق بدعواه الأدلة على إصابة المدعى عليه بالجنون أو العته أو السفه، فإذا دلت القرائن على ان المدعى عليه مصاب بالفعل بالجنون أو العته فإن المحكمة تنصب عن المدعى عليه من ينوب عنه للدفاع عنه في مواجهة المدعي، غير أنه يجب على القاضي ان لا يسارع في التنصيب عن المدعي في هذه الحالة الا اذا تأكد له ان المدعى عليه يعاني من الجنون أو العته، لان التنصيب قد يفهم منه الإفصاح عما سيحكم القاضي لاحقا، إضافة إلى أن بعض المدعين الطالبين الحجر يعتمدوا تجريد المدعى عليه من حقه في الدفاع عن نفسه بقصد الاستحواذ على ماله، ويحدث هذا كثيرا، بل أنه في إحدى المرات طلب المدعي تنصيبه عن ابيه المدعى عليه الذي حضر وثبت انه لايعاني فقدان الذاكرة الزهايمر، اما السفيه فلا يتم التنصيب عنه فيتولى الدفاع عن نفسه في مواجهة الدعوى المرفوعة عليه. الوجه السابع: كبر السن لا يكون سبباً للحجر: كان المدعون في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد ادعوا بأن مورثهم كان قد بلغ اكثر من مائة عاما حينما تصرف بالأرض إلى مورث المدعى عليهم، إلا ان المدعين عجزوا عن إثبات اي عارض في مورثهم كالجنون أو السفه أو العته، ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بأن كبر السن لايكون سببا للحجر على كبير السن. الوجه الثامن: لايجوز الحجر بموجب أمر على عريضة : قضي الحكم محل تعليقنا بأن الحجر لايكون الا بموجب حكم قضائي تتوفر فيه كافة إجراءات المحاكمة العادلة نظرا الخطورة الحجر على الأشخاص ومنعهم من التصرف ونظرا للأثار البالغة الخطورة على الحجر، ولان القانون قد اشترط ان يكون الحجر بموجب حكم قضائي وليس أمرا من المحكمة من غير محاكمة ، وبناء على ذلك لايجوز الحجر بموجب امر على عريضة، لانه أمر وقتي لايقرر مركزا قانونيا دائما. الوجه التاسع: إشهار حكم الحجر : اشترط القانون ان يتم إشهار الحكم القضائي الصادر بإيقاع الحجر حتى يكون الأشخاص على معرفة وبينة بأن المحكوم عليه بالحجر ممنوع من التصرف، فلا يقدم احد بالتعامل مع المحجور المحكوم عليه،وفي هذا الشأن نصت المادة(69) مدني على أنه ( يلزم اشهار الحكم الصادر بتوقيع الحجر او برفعه في نفس اليوم الذي يصدر فيه وذلك باثباته في السجل الخاص بذلك في المحكمة التي اصدرت الحكم وتقوم ادارة المحكمة بذلك واذا رفع عن الحكم استئناف يؤشر امامه بذلك واذا تايد الحكم او الغي استئنافيا يؤشر بذلك ايضا وكذلك الحال اذا طعن في الحكم بالنقض وايد او نقض واذا تغير موطن المحجور عليه كان على وصيه ابلاغ ادارة المحكمة لتقوم بابلاغ محكمة الموطن الجديد ببيانات حكم الحجر لاشهاره في سجلاتها ) فقد حدد هذا النص وسيلة الاشهار وهي القيد في سجل المحكمة الخاص بالمحكوم عليهم بالحجر، وبناء على ذلك لايجوز إشهار الحجر عن طريق التعميم على أقلام التوثيق أو الامناء أو مكاتب العقارات والسجل العقاري كما يصنع البعض ، والله اعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق