حالات الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً
الوجه الأول: الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً في قانون المرافعات:
: أشار قانون المرافعات إلى هذا الدفع في المادة (186)، واورده ضمن الدفوع المتعلقة بالنظام العام التي يجوز اثارتها في أية مرحلة من مراحل التقاضي ولو أمام المحكمة العليا، واوجب القانون على محكمة الموضوع ان تفصل في هذا الدفع بحكم مستقل قبل الفصل في الدعوى الموضوعية، وفي هذا الشأن نصت المادة (186) مرافعات على أنه: ((تعتبر من النظام العام الدفوع التالية: -4- الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً). الوجه الثاني: الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً في قانون الإثبات: لان غالبية نصوص قانون الإثبات مصدرها الفقه الإسلامي، فقد ورد ضمن الفصل الثاني من القانون وضمن
حالات عدم سماع الدعوى في القانون اليمني
نصت المادة (14) على أنه: (لا تسمع الدعوى في الأحوال الأتية: -
1- إذا تقدم ما يكذبها محضاً).
معني الدفع بسبق ما يكذب الدعوى محضا
ما شدني للبحث في هذه الجزئية هو طائلة الدفوع الكيدية التي تثار باسم الدفع بسبق ما يكذب الدعوى محضا والفصل فيها من قبل القضاء وتكييف غالبيتها العظمي بانها عبارة عن رد موضوعي على الدعوى
ورفعا لهذا اللبس الذي يقع فيه الكثير فقد ارتئيت ايضاح معني هذا الدفع في هذه العجالة المتواضعة على النحو الاتي:
يعد الاساس والسند القانوني للدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً هو نص الفقرة (4) من المادة (186) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني والتي قضت بقولها: (تعتبر من النظام العام الدفوع التالية:
4-الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذَّبها محضاً
بالإضافة الي نص الفقرة (1) من المادة (14) من قانون الإثبات اليمني والتي نصت بان: (لا تسمع الدعوى في الأحوال الأتية:
1-إذا تقدم ما يكذبها محضا
ولمعرفة المعنى القانون للكذب الذي يعتد به كأساس لعدم سماع الدعوى ينبغي علينا الرجوع إلى المراجع التي حددها القانون لتفسير النصوص القانونية وفقا للمادة (18) من القانون المدني التي قضت بقولها:(المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه الإسلامي والمذكرات الإيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة
إذ انه وبالرجوع إلى كتب الفقه الإسلامي نجد أنها قد بينت معنى الكذب الذي يدفع بمواجهة الدعوى وهو صدور أمر سابق من المدعي يكذب الدعوى -أي يناقضها – وهو ما قصده المشرع في نص المادة (186/4) من قانون المرافعات حيث اعتبر الفقه أي قول صادر من المدعي يناقض ما ادعاه بأنه كذب يكون مانع لسماع الدعوى وللمدعى عليه دفع الدعوى بذلك التكذيب.
ونقتبس للدلالة على ذلك ما جاء في شروح الفقه الإسلامي والقانوني على النحو الاتي: –
1- جاء في المجلد الرابع من درر الحكام شرح مجلة الأحكام في الكتاب الرابع عشر تحت عنوان الدعوى المادة (1615) ما يلي: –
(التناقض هو سبق كلام من المدعى مناقض لدعواه أي سبق كلام منه موجب لبطلان دعواه) وعرف التناقض لغة وشرعا بقوله:
التناقض لغة بمعنى التدافع.
وشرعا هو سبق كلام من المدعى مناقض لدعواه).
المرجع/ درر الحكام شرح مجلة الحكام تأليف علي حيدر تعريب المحامي / فهمي الحسني المجلد الرابع الطبعة الأولى 1411هـ- 1991م صـ 176.
2- كما جاء في الفصل الرابع من نفس المجلد تحت عنوان في بيان التناقض – شرح المادة (1636) ما يلي:
((انه يشترط في صحة الدعوى عدم وقوع التناقض فيها فذلك لا تسمع الدعوى التي يقع تناقض فيها لأن كذب المدعى يظهر في الدعوى التي يقع فيها التناقض مثلا إذا ادعى قائلا: إن هذا المال ملكي وأثبت المدعى عليه بأن المدعى قد طلبه شراء ذلك المال منه يظهر كذب المدعى في دعواه)).
مرجع سابق درر الحكام شرح مجلة الحكام / صـــ 261 .
وقد ذكر في هذا الفصل أنواع للتناقض التي تكون صادرة من المدعي.
كما جاء في كتاب التاج المذهب – المجلد الرابع ما يلي: –
(فصل – في بيان الدعاوى التي لا تسمع من مدعيها أي لا تقبل وهي (أربع) الأولى لا تسمع دعوى في الوديعة وكل عين غير مضمنه كالعارية المستأجرة غير المضمنة – إذا تقدم من المدعي ما يكذبها محضا مثال ذلك ان يدعي رجل وديعة له أو نحوها فيقول الوديع ما أودعني شيئا فيقيم المدعي البينة على انه أودعه فيدعي في مجلس الإنكار أو بعده بتاريخ متقدم انه قد ردها).
المرجع / التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار – المجلد الرابع الطبعة الأولى 1366هـ 1947م صــــ 12
3- ما أورده الدكتور شعبان الكومي احمد في مؤلفه الدعوى بالمجهول صـــ83 بقوله :(يشترط في صيغة الدعوى عدة شروط وهي: –
عدم التناقض بينها وبين أمر سبق صدوره من المدعي.
والمقصود بالتناقض في الدعوى إن يسبق من المدعى كلام مناف للكلام الذي يقوله في دعواه كان يقر أمام القاضي بعين في يده لغيره فيأمر القاضي بتسليمها لمن اقر له بها وبعد ذلك يدعي المقر انه اشترى هذه العين من المقر له بتاريخ سابق على وقت الإقرار فبذلك يكون متناقضاً إذ بإقراره الأول يكون معترفاً بملكية غيره في تاريخ إقراره وبدعواه الثانية يكون مدعياً انه هو المالك في ذلك التاريخ وما هذا إلا التناقض .فإذا وجد مثل هذا التناقض فانه يمنع من قبول الدعوى لأنه يعد دليلاً على كذب المدعى في دعواه إذا انه يستحيل الجمع في الصدق بين الشيء ونقيضه
المرجع الدعوى بالمجهول د/ شعبان الكومي ص83
ومن خلال تلك المراجع القانونية والشروح الفقهية والتي هي المر جع في تفسير النص القانوني الواردة في المادة (186/4) مرافعات وكذا نص المادة (14/1) إثبات يتضح وبما لا يدع مجالا للشك أن التكاذب في الدعوى لا يكون الا من المدعي دون سواه وكذلك أن التكاذب لا يكون الا في واقعة موضوعية دون القانونية
الوجه الثالث: المصدر التاريخي للدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً : من المتفق عليه ان الفقه الإسلامي هو المصدر التاريخي للنصين الواردين في قانون المرافعات والاثبات السابق ذكرهما، إذ انه بالرجوع إلى كتب الفقه الإسلامي نجد أنها قد بينت المقصود بالكذب المتقدم على الدعوى الذي يكون سببا لدفعها بدفع( عدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً )، فالمقصود بالتكذيب المسبق للدعوى هو صدور قول أو فعل من المدعى في وقت سابق على رفع دعواه يدل صراحة على كذب دعوى المدعي -أي أن القول أو الفعل السابق صدوره من المدعي يكون مناقضا لموضوع الدعوى الذي ترفع بعده ، حيث اعتبر الفقه الإسلامي أي قول أو فعل سابق صادر من المدعي قبل رفع دعواه يناقض دعواه بمثابة تكذيب للدعوى التي ترفع بعد هذا القول اوالفعل السابق صدوره من المدعي، وعلى هذا الأساس فإن القول أو الفعل السابق صدوره من المدعى المناقض لدعواه اللاحقة يكون مانعا لسماع دعوى المدعي ، ومؤدى ذلك ان للمدعى عليه دفع تلك الدعوى التي دل فعل أو قول المدعي السابق على كذبها، وللتدليل على ان كتب الفقه الإسلامي هي المصدر التاريخي للدفع بتقدم مايكذب الدعوى محضاً، فقد ورد في كتاب التاج المذهب للقاضي العنسي 4/12( فصل – في بيان الدعاوى التي لا تسمع من مدعيها أي لا تقبل وهي (أربع) الأولى لا تسمع دعوى في الوديعة وكل عين غير مضمنة كالعارية المستأجرة غير المضمنة
– إذا تقدم من المدعي ما يكذبها محضا،
مثال ذلك:
ان يدعي رجل وديعة له أو نحوها، فيقول الوديع ما أودعني شيئا فيقيم المدعي البينة على انه أودعه فيدعي في مجلس الإنكار أو بعده بتاريخ متقدم انه قد ردها)، ومن خلال المقارنة بين ماورد في أسباب الحكم محل تعليقنا وبين ماورد في التاج المذهب للعنسي نجد أن الحكم محل تعليقنا قد أستند إلى ماذكره العنسي في هذا الشأن، كما ورد في كتاب درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية 4/176 بعنوان الدعوى المادة (1615) (التناقض هو سبق كلام من المدعي مناقض لدعواه أي سبق كلام منه موجب لبطلان دعواه، فالتناقض : هو سبق كلام من المدعي مناقض لما ورد في دعواه، لانه يشترط في صحة الدعوى عدم وقوع التناقض فيها، فلذلك لا تسمع الدعوى التي يقع تناقض فيها، لأن كذب المدعي يظهر في الدعوى التي يقع فيها التناقض، فمثلا إذا ادعى المدعى قائلا: إن هذا المال ملكي وأثبت المدعى عليه بأن المدعى قد طلبه شراء ذلك المال منه يظهر كذب المدعى في دعواه)، وفي هذا السياق يذهب الفقه المعاصر حيث ذكرالدكتور شعبان الكومي في كتابه( الدعوى بالمجهول صـــ83 )
انه( يشترط في صيغة الدعوى عدة شروط منها:عدم التناقض بين الدعوى وبين أمر سبق صدوره من المدعي ، فالمقصود بالتناقض بين الدعوى وبين ماسبق صدوره من المدعي :إن يسبق من المدعى كلام مناف للكلام الذي يقوله في دعواه، كان يقر أمام القاضي بعين في يده لغيره فيأمر القاضي بتسليمها لمن اقر له بها، وبعد ذلك يدعي المقر انه اشترى هذه العين من المقر له بتاريخ سابق على وقت الإقرار، فبذلك يكون المدعي متناقضا، إذ بإقراره الأول يكون معترفاً بملكية غيره في تاريخ إقراره وبدعواه الثانية يكون مدعياً انه هو المالك في ذلك التاريخ،فإذا وجد مثل هذا التناقض فانه يمنع من قبول الدعوى لأنه يعد دليلاً على كذب المدعى في دعواه، إذ انه يستحيل الجمع في الصدق بين الشيء ونقيضه )، ومن خلال استقراء ماتقدم يظهر ان التناقض الموجب للدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً لايظهر الا من جهة المدعي، وان هذا الدفع هو وسيلة المدعى عليه للحيلولة دون سماع الدعوى الكاذبة للمدعي حسبما قضى الحكم محل تعليقنا،
والله اعلم .
الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم مايكذبها وفقا للقانون اليمني
https://adelaliabdo2016.blogspot.com/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق