الثلاثاء، 17 يناير 2023

جريمة الاعتداء على ملك الغير في القانون اليمني

جريمة الإعتداء على ملك الغير في القانون اليمني  

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

جريمة الإعتداء على ملك الغير

تثير في اليمن جدلاً قانونياً وفقهياً بسبب غموضها وسوء صياغتها وسوء فهمها وتطبيقها إضافة إلى تباين تطبيقاتها في الواقع، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/1/2018م في الطعن رقم (60121)، الذي قضى انه ((بغض النظر إلى ما ذهب إليه كل طرف فقد ظهر جلياً أن ما إنتهى إليه الحكم المطعون فيه من ان المحكمة الإبتدائية غير مختصة بالنظر والفصل في الدعوى المتعلقة بملكية الأرض محل الجريمة ومن ثم قضاء الحكم الاستئنافي المطعون فيه بالغاء فقرات الحكم الابتدائي المتعلقة بذلك وللمتضرر من المتنازعين رفع دعوى مدنية بالطريقة التي حددها القانون، فالدائرة تجد ان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون واخطأ في تطبيقه، فالثابت انه لولا سير محكمة أول درجة في النظر في دعوى ملكية الأرض المنسوب للمطعون ضده الأول تهمة الإضرار بها ببحثها بحثاً قانونياً وشرعياً لما كانت توصلت الشعبة إلى براءة المطعون ضده الأول من التهمة المسندة إليه في قرار الإتهام، فقيامها بذلك بغض النظر عن سلامة ما انتهت إليه بشأنها في منطوق الحكم من صميم إختصاصها لإرتباطها بالدعوى الجزائية المرفوعة امامها عملاً بالمادة (255) التي نصت على ان تختص المحكمة عند نظر الدعوى الجزائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم فيها، وبهذا يكون المقنن قد امد القاضي الجزائي وهو يفصل في الدعوى الجزائية بسلطة واسعة تكفل له كشف الواقعة على حقيقتها ومن ثم كان له الفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجزائية، لان قاضي الأصل هو قاضي الفرع، فإذا تبين للقاضي الجزائي لزوم الفصل في ملكية العقار محل النزاع للقضاء في الدعوى الجزائية فعليه ان يتصدى بنفسه لبحث عناصر هذه الملكية والفصل فيها وله في سبيل ذلك الاستعانة بأهل الخبرة وما يجريه من تحقيقات حتى يتكشف له وجه الحق، وهو ما قامت به محكمة أول درجة واهدرته محكمة الاستئناف التي اصدرت الحكم المطعون فيه بحجة عدم إختصاص القضاء الجزائي بذلك متجاهلة ان ذلك من صميم إختصاصه إستناداً إلى ما سبق بيانه هذا في حال ما إذا كان القاضي الذي نظر القضية مقصورة ولايته في قرار تعيينه بالقضاء الجزائي فكيف إذا كان من نظر القضية وفصل فيها هو رئيس المحكمة الابتدائية الذي ولايته عامة بنظر كافة المنازعات المدنية والجزائية والشخصية كون القضاء موحد حيث تختص المحاكم الابتدائية بالحكم ابتداءً في جميع الدعاوى التي ترفع  ‏ إليها أياً كانت قيمتها أو نوعها حسبما ورد في المادة (89) من قانون المرافعات وحيث ان الحال كذلك فان الحكم المطعون فيه باطل)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية: 
الوجه الأول: الدعوى الجزائية التي فصل فيها الحكم محل تعليقنا
قامت النيابة العامة برفع الدعوى الجزائية (قرار الإتهام) التي تضمنت ان المتهمين قاما بالإعتداء على حرمة ملك المجني عليه وذلك بان قاما بحرثها وزراعتها مما أضر بها الأمر المعاقب عليه إستناداً إلى المادة (321) جرائم وعقوبات، حيث قامت المحكمة الابتدائية بالفصل في مسألة الملكية وهي مسألة مدنية على أساس ان هذه  المسألة متعلقة ومرتبطة بالدعوى الجزائية وموضوعها الإعتداء على ملك الغير لذلك لايستطيع القاضي الجزائي ان يفصل في الدعوى الجزائية دون ان يتعرض لمسألة الملكية بحسب وجهة نظر الحكم الابتدائي الذي اقره حكم المحكمة العليا ، في حين قضى الحكم الاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي لانه قد تجاوز اختصاصه النوعي (الجزائي) وقام بالفصل في ملكية العقار المعتدى عليه وهي مسألة مدنية، إما حكم المحكمة العليا فقد نقض الحكم الاستئنافي وأقر الحكم الابتدائي لان جريمة الإعتداء على ملك الغير تستدعي أن يتأكد  القاضي الجزائي الذي ينظر دعوى الاعتداء على ملك الغير من ملكية المجني عليه للأرض المعتدى عليها حسبما ورد في أسباب حكم المحكمة العليا. 
الوجه الثاني: الخلط بين حماية الملكية وحماية الحيازة في القانون اليمني : 
في غالب الحالات يتم تكييف الاعتداء على الحيازة بانه إعتداء على الملكية حيث يتم الاستناد إلى المادة (321) عقوبات بسبب تسمية الفصل الذي وردت فيه المادة (321) المسمى بـ(الإعتداء على حرمة ملك الغير) في حين اسم الجريمة المنصوص عليها في المادة (321) هو (الإضرار بالمال) حيث نصت المادة (321) على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من هدم أو خرب أو أعدم أو اتلف عقاراً أو منقولاً أو نباتاً غير مملوك له أو جعله غير صالح للإستعمال أو اضر به أو عطله بأية طريقة...إلخ) ومصدر هذا النص هو المادة (361) مصري التي تناولت جرائم أخرى غير جريمة إغتصاب العقار وإنما تناولت إتلاف اموال منقولة أو تعطيل منفعةمنشات او وقفها، وبناءً على ذلك فان إستعمال المادة (321) عقوبات لحماية ملكية العقار ليس في محله الصحيح، لان حماية ملكية العقار مقررة في القانون بموجب (جريمة إنتهاك حرمة  المسكن) المنصوص عليها في المادة (253) عقوبات التي نصت على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من دخل مكاناً مسكوناً أو معداً للسكن أو احد ملحقاته أو أي محل معداً لحفظ المال أو عقاراً خلافاً لإرادة صاحب الشأن وفي غير الأحوال المبينة في القانون وكذلك من بقي فيه خلافاً لإدارة من له الحق في إخراجه وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات أو الغرامة إذا وقعت الجريمة ليلاً بواسطة العنف على الأشخاص أو الاشياء أو بإستعمال سلاح أو من شخصين فأكثر أو من موظف عام أو ممن ينتحل صفته) وقد وردت المادة (253) السابق ذكر بمسمى (إنتهاك حرمة مسكن) وكان الأولى ان يكون اسمها (إنتهاك حرمة العقار) ونظراً لعدم وجود نص خاص في القانون اليمني يحمي الحيازة فان المادة (253) هي الأنسب لحماية الملكية والحيازة في آن واحد وان كان الأولى ان يتضمن قانون الجرائم والعقوبات نصاً خاصاً يحمي الحيازة. 
الوجه الثالث: سوء إستعمال الحيازة وتأثيره على الأمن والسلم الإجتماعي
تتسلح العصابات المسلحة المتخصصة في البسط على الأراضي في اليمن بسلاح قانوني أخطر من السلاح الناري الذي تستعمله العصابات عند البسط على الأراضي المستهدفة ونزع حيازتها بالقوة ،حيث تحفظ عصابات البسط على الأراضي نصوص الحيازة واحكامها أفضل من بعض القضاة والمحامين والباحثين حيث تعمد عصابات البسط على الأراضي إلى البسط على الأراضي والبناء فيها والتصرف فيها وتغيير معالمها وإحداث مراكز قانونية تجعل عودتها إلى ملاكها متعذرة في  حين أن أحكام الحيازة تحمي هذه العصابات ، ولذلك كان من التعديلات الجوهرية في مشروع تعديل قانون الإجراءات منح النيابة سلطة إعادة الحيازة (الحال إلى ما كانت عليه) قبل نزعها بالقوة إذا ثبت للنيابة إستعمال القوة في نزع الحيازة من مالك العقار أو الحائز الأصلي،والله اعلم. 
https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

هناك تعليقان (2):

  1. جزاك الله الف خير.
    وبارك فيك وفي علمك ونفع به الاسلام والمسلمين.

    ردحذف