الحرابة والتقطع في القانون اليمني
الحرابة بين القانون العام وقانون مكافحة التقطعأ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء جرائم
الاختطاف والتقطع لها وصف
قانوني خاص كما ان لها قانون خاص وهو قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع وهو
القانون الواجب التطبيق على جرائم الاختطاف والتقطع وان كانت هذه الجرائم في اصلها
جرائم حرابة ولكنها تعزيرية وليست حدية،، وعلى هذا الاساس اخترنا التعليق على الحكم
الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/2/2009م
في الطعن الجزائي رقم (36745) لسنة 1430هـ اتهمت النيابة العامة 8 أشخاص بانهم
استقلوا سيارة(باص)تابع لاحدهم وكان غالبيتهم مسلحين حيث تعقبوا المجني عليه في
حارات المدينة حيث قام احدهم يبدوا ان كان زعيمهم قام بالهجوم على المجني عليه وعند
مقاومة المجني عليه له قام المتهم الاول باطلاق النار في الهواء اشارة للمتهمين
الاخرين حيث قام المسلحون الاربعة على الفور باطلاق النار بكثافة حيث اصابت أحدى
الطلقات المجني عليه فأردته قتيلاً في الحال . وقد قدمت النيابة المتهمين الثمانية
للمحاكمة بتهمة التمالو بينهم على قتل المجني وأمام المحكمة قام أولياء الدم بالدفع
بخطأ النيابة في وصف الوقائع المنسوبة للمتهمين وفي النصوص القانونية التي طالبت
النيابة بموجبها بمعاقبة المتهمين لان الوصف الصحيح لمجمل الوقائع انها تعد من
أفعال الحرابة، وبعد ان سارت المحكمة في إجراءات نظر القضية توصلت إلى الحكم ببراءة
المتهمين السادس والسابع والثامن واعدام المتهم الأول وحبس المتهمين الثاني والثالث
والرابع والخامس الذين اطلقوا النار حبسهم لمدة خمس سنوات والزام المتهمين من الاول
وحتى الخامس بإعادة جنبية القتيل والزامهم بدفع خمسمائة الف ريال مصاريف تقاضي
لاولياء الدم، وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي ان المتهمين السادس والسابع
والثامن لم يكونوا مسلحين كما انه لم يكن لهم اي نشاط اجرامي عند حصول الواقعة، فلم
تقبل النيابة وأولياء الدم بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه إلا أن الشعبة
الاستئنافية قضت بتأييد الحكم الاستئنافي فلم يقبل أولياء الدم بالحكم الاستئنافي
فقاموا بالطعن فيه بالنقض وكذا قام المحكوم عليه بالاعدام بالطعن في الحكم، وقد
قبلت الدائرة الجزائية الطعن بالنقض المقدم من اولياء الدم وقررت نقض الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما طعن أولياء الدم فقد عابوا
فيه على الحكم المطعون فيه ومن قبله الحكم الابتدائي مخالفتهما للقانون حينما تجاهل
الحكمان دفع أولياء الدم الذين ذكروا ان الوصف الصحيح للواقعة هو أن من قبيل افعال
الحرابة حسبما ورد في قرار الاتهام وقائمة الادلة فتلك الواقعة تمثل جريمة حرابة تم
التخطيط لها من جميع المتهمين وقاموا بتنفيذها بالتقطع للمجني عليه في الطريق العام
وسلب جنبيته بالقوة وقتل المجني عليه .فهذه الافعال من قبيل الحرابة وليس القتل،
ومن خلال رجوع الدائرة إلى أوراق القضية فقد تبين قيام أولياء الدم بتقديم دفع أمام
محكمة أول درجة تضمن المطالبة بتطبيق قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع باعتبار
الواقعة من جرائم الحرابة، ولما لم تقم محكمة أول درجة بمناقشة دفع أولياء الدم
والفصل فيه فقد كرر أولياء الدم دفعهم أمام الشعبة الاستئنافية مطالبين بتعديل
الوصف والقيد وتطبيق نصوص القانون المشار اليه غير أن الشعبة هي الاخرى لم تقم
بمناقشة دفع أولياء الدم والفصل فيه وفقاً لاحكام القانون بل اكتفت بالقول : أنه لم
يرد في استئناف النيابة وأولياء الدم ما يؤثر على الحكم الابتدائي في حين ان
استئناف أولياء الدم تضمن الدفع المتكرر بأن وقائع هذه القضية وبما وصفت به تمثل
جريمة حرابة مطالبين بتطبيق نصوص قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع، وبناء على
ذلك فان الطعن المقدم من اولياء الدم امام هذه المحكمة وجيه في موضوعه مما يستوجب
قبوله ونقض الحكم المطعون فيه لبطلانه واعادة ملف القضية الى محكمة الاستئناف
لتحقيق استئناف أولياء دم المجني عليه والفصل فيما تضمنه من دفع) وسيكون تعليقنا
على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الأوجه الاتية
:
الوجه الأول : الفرق بين التكييف
القانوني والوصف القانوني : التكييف القانوني هو تحديد الوصف القانوني الصحيح
للوقائع القانونية أو التصرف القانوني، اما الوصف القانوني فهو : التحديد التشريعي
للافعال ذات الاثر القانوني ضمن مسمى قانوني ملائم مثل توصيف التحريف المفتعل
للحقيقة في الوقائع والبيانات على ان جريمة تزوير أو تعريف الحدث بانه كل من لم يتم
الثامنة عشرة من عمره، ومما سبق يتضح أنه اذا كان القضاء هو الفيصل في عملية
التكييف القانوني فان الوصف القانوني للافعال من مهام الشرع.
الوجه الثاني : تكييف الواقعة ووصفها في الحكم محل تعليقنا : من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أن النيابة العامة قدمت المتهمين للمحاكمة الجزائية على اساس أن الفعل الصادر منهم واقعة التمالؤ على القتل وحكمت محكمتا الموضوع على اساس ان الواقعة قتل عمد من المتهم الأول واشتراك في هذه الجريمة من قبل المتهمين الثاني والثالث والرابع والخامس، في حين أن القضية موصوفة عند المشرع بوصفها من جرائم التقطع لان القانون اطلق عليها هذا الوصف، ولذلك فان مضمون حكم المحكمة العليا هو أن محكمة الموضوع قد اخطات في تطبيق القانون عندما قامت بتكييف الواقعة على انها جريمة قتل عمد واشتراك اربعة متهمين فيها وهذا التكييف يخالف الوصف القانوني للواقعة وهو تزعم عصابة للتقطع حسبما الوصف المحدد في المادة (1) من قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع وبناء على ذلك فان القانون الواجب التطبيق على الواقعة هو قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع وليس قانون الجرائم والعقوبات.
الوجه الثالث : الفرق بين جرائم الاختطاف والتقطع وجريمة الحرابة : لا شك ان جرائم الاختطاف والتقطع هي اصلاً من الافعال التي تندرج ضمن افعال الحرابة بالمفهوم الشرعي لان افعال الاختطاف والتقطع اخافة للسبيل وسلب للاموال وهتك للأعراض وقتل للانفس، ولكن الحرابة حد شرعي لا يتم تطبيقه الا في نطاق ضيق حيث انه يدراء بالشبهات كما ان الشريعة الاسلامية الغراء اشترطت شروطاً كثيرة لتطبيق هذا الحد فصار هذا الحد لايتم تطبيقه الا في نطاق ضيق فاستغل اساطين الاجرام هذا التسامح الشرعي فازدادت جرائم الاختطاف والتقطع واصبحت العصابات المسلحة تقطع الطرق وتخيف السبيل واصبح نشاطها شبه علني، وحيث أن قانون الجرائم والعقوبات تناول أحكام حد الحرابة فقط ولم يتناول أحكام الحرابة التعزيرية فكان لابد من تجريم افعال الحرابة التعزيرية وهي أصلاً غالبية افعال الحرابة التي تحدث في الواقع العملي. ولذلك صدر قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع محدداً جرائم وعقوبات أفعال الحرابة التعزيرية، وعلى هذا الأساس يظهر الفرق بين جرائم الاختطاف والتقطع المنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع التي تعد من قبيل افعال الحرابة التعزيرية في حين أن جريمة وعقوبة الحرابة المنصوص عليها في القانون العام للجرائم والعقوبات هي جريمة حدية.
الوجه الرابع : الموقف القانوني لأولياء الدم في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا : كان موقفهم متذبذباً حيث
كانوا يطالبون بتطبيق أحكام قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع وهذا الطلب موافق
للقانون حسبما سبق بيانه لكنهم كانوا في الوقت ذاته يطالبون بتطبيق عقوبة الحرابة
في حين ان الحرابة تناولها القانون العام وليس قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع
ولكن حكم المحكمة العليا فهم ان مقصودهم من ذلك تطبيق
أحكام الحرابة التعزيرية المنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع لان طلب أولياء الدم كان
واضحاً وهو تطبيق الحرابة المنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع
وكان هدف أولياء الدم تحديداً تطبيق حكم جريمة التقطع المذكورة في المادة (1)
اختطاف وتقطع التي نصت على ان (يعاقب بالاعدام كل من تزعم عصابة للاختطاف والتقطع
أو نهب الممتلكات العامة أو الخاصة بالقوة ويعاقب الشريك بنفس العقوبة) فمن وجهة
نظر أولياء الدم أن هذا النص هو الواجب التطبيق على القضية لان سلب المجني عليه
جنبيته وقتله قد تم من قبل جماعة مسلحة يتزعمها المتهم الاول الذي برز للاستيلاء
على جنبية المجني عليه واطلق رصاصة في الهواء اشارة لبقية العصابة لاطلاق النار على
المجني عليه، ومن وجهة نظرنا فان حكم محكمة الموضوع لم يوافق القانون لانه حكم
باعدام المتهم الأول قصاصاً في حين انه لم يطلق الرصاص القاتل وتبعا لذلكً لا ينطبق
على هذا الفعل تكييف جريمة القتل العمد لانه لم يقتل كما انه لا ينطبق على هذا
الفعل تكييف التمالؤ لان حكم محكمة الموضوع قد قضى باعدام المتهم الأول فقط وربما
أن هذه الاعتبارات كانت حاضرة لدى المحكمة العليا حينما نقضت الحكم الاستئنافي
المؤيد للحكم الابتدائي
. الوجه الخامس : التأصيل الشرعي لقانون جريمة تزعم عصابة
مسلحة للاختطاف والتقطع : ذكرنا فيما تقدم أن المادة (1) من قانون مكافحة جرائم
الاختطاف والتقطع قد نصت على أن مجرد تشكيل عصابة للاختطاف والتقطع أو نهب
الممتلكات تكون عقوبتها الاعدام حتى لو لم يترتب على فعلها القتل، وهذا هو قول بعض
الزيدية الذين يطلقون على هذا الفعل الافساد في الارض (البحر الزخار 3/1291) وهو
قول المالكية (حاشية الدسوقي 4/21) وهو قول الظاهرية (المحلى 9/82)، وحجة هؤلاء
الفقهاء ان (أو) للتخيير الواردة في قوله تعالى (انما جزاء الذين يحاربون الله
ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف
أو ينفوا من الأرض) فلولي الأمر أن يختار العقوبة المناسبة لهؤلاء بما في ذلك القتل
حتى لو لم يقتلوا. لان حد الحرابة غير القصاص بالنظر إلى المصلحة التي يحميها هذا
الحد وهو حفظ الامن والسكينة في المجتمع .فاذا جاز على سبيل الحد جاز ذلك على سبيل
التعزير. والله اعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق