احكام الهبه وفقا للقانون اليمني
ماهيتها ومشروعيتها في الاسلام وأنواعها
لقد أطلقت الشريعة الإسلامية وكذا القوانين الوضعية المنبثقةمنها، حرية الفرد في التصرف في أمواله كيفما
يشاء ، ولمن يشاء، ومن بين هذه التصرفات القانونية عقد الهبة وهو عقد تبرعي يُملّك به مالٌ أو تباح به منفعة، وتتجلّى فيها أسمى وأرفع النزعات الإنسانية في فعل الخير وحب العطاء ويهدف المرء من ورائها إلى تقوية أواصر القربة وتشييد روابط المحبة، والإحسان بين الناس، وهذا مقصد سامي من مقاصد الشـريعة الإسـلامية.
وتعتبر الهبة من العقود الناقلة للملكية الملزمة لجانب واحد إلا أن هناك إستثناءً حين تصبح ملزمة للطرفين و ذلك عندما تكون بعوض.
ولِمعرفة ماهية عقد الهبة لابُد من تحديد مفهوم لها عن طريق تعريفها و بيان شروط صحتها وأركانها ومتى يحق الرجوع فيه إلى غير ذلك من التساؤلات التي سنجيب عليها في سلسلة من المقالات.
👈مفهوم عقد الهبة في الفقه
عرَّفت المالكية الهبة بأنها تمليك مُتموَّل بغرض عوض إنشائي ، فقولهم متمول: أخرج به تمليك غيره كتمليك الإنكاح
وعند الشافعية عرفت الهبة بأنها تمليك العين بغير عوض.
وعند الحنابلة عرَّفت الهبة عند كثير منهم بأنها: تمليك في حياة المرء بلا عوض
الهبة في القانون المدني اليمني:-
أوردت المادة (١٦٨) من ق الأحوال الشخصية المعدل بعض مواده رقم(20)لسنة1992م تعريفاً لعقد الهبة بقولها ( الهبة هي عقد تبرعي يملك به مال أو تباح به منفعة حال الحياة)
ونستخلص من هذا التعريف الآتي:-
-ان الهبة تنعقد بالإيجاب والقبول وهما قوام العقد وبالتالي فإنها تُحكَمُ بما يحكم العقود.
-أنها تتم بين الأحياء فالهبة لا تقع إلا في حياة الواهب والموهوب له وبالتالي فإنها عقد بين الأحياء.
- نية التبرع في الهبة: حيث تُعتبر من العقود التبرعية فعنصر التبرع فيها جوهري والسبب الذي يدفع الواهب لإقدامه هو نية التبرع.
مشروعية الهبه في الاسلام:-
تُعتبر الهبة مُستحبةً ما دام القصد منها التقرب إلى الله تعالى كالهبة لفقير، أو صلة رحم، أو غير ذلك وهي مكروهة إذا كانت بهدف التباهي، ولا يجوز منح الهبة لبعض الأولاد دون البعض الآخر، أو أن يقوم الأب بالتفضيل بين الأولاد في الهبات أو العطايا.
وقد دلتْ النصوص في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على مشروعية الهبة والعطية، فالآيات التي وردت في استحباب الإحسان وبذله إلى الناس، والآيات التي دلت على الترغيب في المعروف، وإسداء الخير إلى الناس من حيث الأصل، تعتبر دالةً على مشروعية الهبة والعطية، خاصةً وأن الهبات والعطايا قد يُرادُ بها وجه الله عزَّ وجل حينما يهب المسلم لأخيه المسلم شيئاً مما يملكه حتى تزداد المحبة بينهما، وتقوى أواصر الأخوة ووشائج الإسلام التي تربط بين المسلم وإخوانه، فتكون الهبة والعطية عبادةً من
هذا الوجه
من القران:-
قال تعالى { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَاب )البقرة ١٧٧
من السنة:-
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تهادوا تحابوا )
فقد رغب النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث في الهدية وإعطاء المسلم لأخيه المسلم على سبيل المحبة، وبين حسن العاقبة في ذلك، وأنها تزيد من المحبة والألفة، وهذا مقصود شرعاً، فكل ما يدعو إلى قوة المحبة بين المسلمين مندوب إليه وتحصيله مرغوب فيه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبَلُ الهدية ويثيب عليها ، وكان يدعو إلى قبولها ويرغب فيها ، فعند أحمد من حديث خالد بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه).
من الإجماع:-
أجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية الهدية والعطية؛ لأن سنةَ النبي صلى الله عليه وسلم وهديَه دالةً على مشروعيتها، بل قد جاء في صفته عليه الصلاة والسلام في الكتب السماوية أنه يقبل الهدية ويرد الصدقة.
وقد انعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها، لدى المالكية والحنابلة ، وابن حزم من الظاهرية والشوكاني ، والصنعاني.
قال الشوكاني: (الأشياء الواصلة إلى العباد على أيدي بعضهم هي من الأرزاق الألهية لمن وصلت إليه، وإنما جعلها اللهُ جارية على أيدي العباد لإثابة من جعلها على يده فالمحمود على جميع ما كان من هذا القبيل هو اللَّه تعالى.
👈أنواع الهبات
أ ـ حسب طبيعة الشيء الموهوب: تنقسم إلى هبة عقار وهبة منقول.
ب ـ حسب كونها مباشرة أو غير مباشرة او مستترة ونبين ذلك وفقا لما هو آت:-
(1)ـ الهبة المباشرة:
هي الهبة العادية التي تظهر بمظهرها المتطلب قانونا وهي تَصرُّف الواهب في ماله للموهوب له على سبيل التبرع ويظهر فيها إيجاب وقبول الأطراف ولا تكون مقترنة بشرط يضعه الواهب(أي بدون عوض في حق الموهوب له) وإنما تقترن بنية التبرع من الواهب وتحترم الشكل المطلوب قانونا لها.
فالذي يميز الهبة المباشرة أنها تصرف مباشر في المال، إما بنقل حق عيني أو شخصي أو منفعة.
فقد ينقل الواهب للموهوب له حق الملك أو حق الإنتفاع أو حق السكنى أو حق الإرتفاق للموهوب له، وإما بالتزام الواهب بنقل حق شخصي للموهوب له كما لو التزم له بمبلغ من النقود على سبيل التبرع أو ينقل الواهب للموهوب له (دينا عند الغير) فإنه يكون قد التزم له بحق شخصي هو إعطاء شيء، فتكون الهبة مباشرة أيضاً.
وخلاصة ذلك ان الهبة المباشرة هي التي يكون عقدها مبين لها بوضوح بحيث تظهر بالصورة الحقيقية (عقد هبة)وتتوفر فيها أركان وشروط الهبة الشكلية.
(2)ـالهبة الغير المباشرة
عرف الفقهاء الهبة الغير مباشرة بكونها تخول الموهوب له اكتساب حق عيني أو شخصي دون مقابل عن طريق الواهب دون أن ينتقل ذلك الحق مباشرة من الواهب.
وتنشأ الهبة الغير مباشرة من أي عقد غير عقد الهبة فالواهب تتجه إرادته إلى نقل الملكية للموهوب له بلا مقابل على سبيل التبرع.
وتكون إرادة الواهب فيها بارزة غير مستترة ولامخفية لكن العقد يسميه تسمية أُخرى وتكون هبة غير مباشرة كأن يتنازل صاحب حق الإنتفاع أو الإرتفاق عن حقه لمالك الرقبة أو إبراء الدائن المدين من دينه وقد أنزل القانون اليمني الإبراء محل التبرع حيث نصت المــادة(438)ق مدني رقم(14)لسنة 2002م (إذا أبرأ الدائن مدينه مختارا ووصل ذلك إلى علم المدين فلم يرده أو مات قبل القبول انقضى الدين المُبرَأ منه ويعتبر الإبراء تبرعا تسري عليه أحكام التبرع مادة(681)من ذات القانون (يرجع في أحكام الهبة والنذر والصدقة والعمري والرقبي إلى قانون الهبة)
وهو مايعني أن القانون أنزل الإبراء منزلة التبرع.
والهبة عبارة عن عقد تبرعي ومما تجدر الإشارة إليه أن الأحكام الشكلية المتطلبة في الهبة المباشرة كما سبق وأن أشرنا اليها سلفا لا تشترط في الهبة غير المباشرة وذلك لِأنها تمت بصورة عقد آخر علاوة على أنه يجوز الطعن فيها فعلى سبيل المثال إذا كانت من الأب لابنه وكذا إذا كانت في مرض الموت إلى غير ذلك من الأحكام.
(3)ـ
*الهبة المستترة* : وهي الهبة التي وضعت تحت مظهر عقد آخر من عقود المعاوضة، كعقد البيع الذي في ظاهره بيع وفي باطنه هبة مستترة فلا يدفع الثمن فيها أو أنه تم التصرف بالبيع بثمن بخس بقصد المحاباة والتبرع بفارق الثمن والذي هو باقل بكثير من الثمن العادي أو كأن يوصف العقد بأنه إيجار ولايدفع المبلغ
ولعل عقد البيع يعد من أكثر العقود استعمالا لستر الهبة هذا وتتميز الهبة المستترة عن الهبة الغير مباشرة أنها هبة مباشرة فتنقل حقا عينيا للموهوب له أو التزاما شخصيا غير أن ظاهرها غير حقيقتها على خلاف الهبة الغير المباشرة والتي ظاهرها كحقيقتها.
كما يجب ان تتوافر في الهبة المستترة شروطا منها أنه يجب أن تتوافر في العقد الساتر جميع الشروط الشكلية كما لو كان عقدا خفيا حتى لايكشف العقد الساتر عن وجود هبة خفية وذلك من توفر الإيجاب والقبول وتحديد الثمن إلى غير ذلك من شروط المطلوب توافرها في العقود.
كما يجب احترام بعض الشروط الظاهرة فيها فإذا كان العقد الظاهر هو عقد بيع فمن الأرجح أن يتم تحديد المبيع والتنصيص عليه حتى وإن كان صوريا ذلك أن الثمن يبعث حرية الإعتقاد بصحة الثمن.
👈 الهبة المشروطة
أجازت نصوص قانون الأحوال الشخصية على الواهب أن يشترط على الموهوب له شروطا تترتب بموجبها التزامات في جانب الموهوب له فتكون الهبه حينئذٍ معلقة بشرط ولا تنفذ إلا إذا تحقق الشرط مادة(181) ق أحوال شخصية (تصح الهبة بعوض ولو من غير الموهوب له مالا أو منفعة أو غرضا (مصلحة) ظاهرا أو من تدل عليه قرائن الحال للواهب أو لغيره)
كما نصت المادة (193)من ذات القانون (يلزم الموهوب له أداء ما أشتُرط عليه من عوض مالا أو منفعة أو غرضا)
والشرط نوعان شرط واقف أو فاسخ
فالشرط الواقف: هو الذي يكون فيه الإلتزام مترتبا على وقوعه مثال أن يقول الأب لولده إذا نجحت في امتحان الجامعة سأوهبك تلك الدار والهبة هنا تكون معلقة على شرط نجاح الولد فإن نجح كانت الهبه نافذة ..هذا مع مراعاة الشروط القانونية الأخرى.
أما الشرط الفاسخ: فهو الذي يكون فيه زوال الإلتزام مترتبا على وقوعه وهو يعني أن الإلتزام قد وقع ولكنه عُلِّق على شرط فاسخ لو تحقق هذا الشرط فسخ الإلتزام كأن يهب أحدهم الدار لِآخر واشترط عليه عدم التصرف للغير وإلا فسخ العقد فلو قام الموهوب له بالتصرف فسخت الهبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق