"إجراءات تنفيذ حكم التحكيم "
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
▪️
لا ريب أنه لا يجوز التحكيم في إجراءات التنفيذ الجبري للأحكام بصفة عامة
، لأن إجراءات التنفيذ الجبري من إختصاص القضاء حصرا، لأن إجراءات التنفيذ
الجبري من اسمها تتم جبرا، إذ يأمر القضاء عند مباشرته لاجراءات التنفيذ
الجبري يأمر السلطة العامة بتفيذ الحكم جبرا ولها في سبيل ذلك أن
تستخدم القوة في التنفيذ الجبري ان لزم الأمر ذلك ،فضلا عن ان القضاء يعالج
اشكالات التنفيذ بالنسبة للحكم الصادر عن القضاء عن طريق منازعات التنفيذ
المصاحبة لاجراءات تنفيذ الحكم القضائي، عندما يقوم قاضي التنفيذ
بالفصل في منازعات التنفيذ أو الاستشكالات بإجراءات مستعجلة، بيد ان الحال
يختلف إلى حد ما بالنسبة لتنفيذ حكم التحكيم نظرا للطبيعة الخاصة لحكم
التحكيم باعتبار ان محكمة الاستئناف تكون محكمة قانون بالنسبة لحكم
التحكيم، كما أن محكمة الاستئناف هي المختصة بتفيذ حكم التحكيم.
غير
أنه في كل الأحوال يجوز التحكيم فيما يتعلق باجراءات التنفيذ الإختياري
للاحكام بصفة عامة، لأنه يجوز لأطراف التحكيم (المحكوم له والمحكوم عليه)
تنفيذ حكم القضاء وحكم التحكيم إختيارياً، فإذا تم تنفيذ الحكم كما ورد في
منطوقه من غير زيادة أو نقص، فإن ذلك يكون تنفيذاً إختيارياً، وإذا تضمن
الإتفاق إسقاط بعض البنود المحكوم بها في منطوق الحكم فإن ذلك يعد صلحاً
بشأن تنفيذ الحكم، غير أن بعض احكام التحكيم لا تكون صالحة للتنفيذ، إذ ان
تنفيذها يحتاج إلى الفصل في بعض المسائل التي لازالت محل خلاف
بين أطراف حكم التحكيم مثل الحكم للمحكوم له بمساحة معينة دون
فرزها أو الحكم له بثمن مساحة معينة من أراضي عدة دون تقدير الثمن أو تحديد
الأرض التي يحتسب على أساسها الثمن...إلخ، فتظل هذه الإجراءات محل خلاف بين
الخصوم أطراف الحكم، فهذه الإجراءات الخلافية يجوز التحكيم فيها، لأن هذه
الإجراءات تحكيمية وليست قضائية خاصة ان الحكم التحكيم قد صار نهائيا لمضي
مدة تقديم الدعوى ببطلانه وكونه محل قبول اطرافه الذين قاموا بالتحكيم
لمعالجة الإجراءات التي من شأنها ان تجعله صالحا للتنفيذ ، حسبما قضى الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
25-1-2017 م في الطعن رقم (58480)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ان الحكم
الاستئنافي المطعون فيه قد جانب الصواب بتكييفه للحكم الصادر عن المحكمين
بأنه بمثابة قرار تنفيذي، ومؤدى ذلك أن الشعبة المدنية وصفت لجنة التحكيم
بوصف قاضي التنفيذ وإن القرار الصادر عن لجنة التحكيم لم يقتصر على التنفيذ
الإختياري بل امتد إلى الفصل في مسائل موضوعية، غير أنه من خلال رجوع
الدائرة إلى أوراق القضية، فقد ظهر لها: أن الطاعن والمطعون ضده قد قاموا
بتحكيم لجنة التحكيم لتعيين العدول للمسح والتثمين وإعطاء كل ذي حق حقه،
وفقاً لما ورد في حكم التحكيم السابق الصادر من غير لجنة التحكيم، لذلك كان
من اللازم على المحكمة الاستئنافية التي نظرت دعوى البطلان في هذه القضية
أن تعتبر هذه الإجراءات المشار إليها من قبل المحكمين الحاليين إجراءات
تحكيمية وليست إجراءات تنفيذية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو
مبين في الأوجه الأتية:
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️
"الوجه الأول: إختصاص محكمة الاستئناف بتنفيذ أحكام المحكمين"*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▪️
يصير حكم التحكيم قابلا للتنفيذ بعد إنقضاء المدة المحددة قانوناً لتقديم دعوى
بطلانه، حسبما هو مقرر في المادة (57) تحكيم، التي نصت على ان (يصبح حكم
التحكيم نهائياً وقابلاً للتنفيذ بعد إنقضاء ميعاد الطعن أو بعد إنقضاء ميعاد
رفع دعوى الإبطال دون رفعها أو بعد صدور حكم فيها بعدم قبولها إذا تم رفعها)،
ومن المعلوم أن محكمة الاستئناف هي المختصة بتنفيذ أحكام التحكيم، وأنه يجوز
لها أن تنيب غيرها من المحاكم لتنفيذ أحكام التحكيم، حسبما هو مقرر في المادة
(58) تحكيم التي نصت على أن (تختص محكمة الاستئناف أو من تنيبه بتنفيذ أحكام
التحكيم).
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️
"الوجه الثاني: نطاق إختصاص محكمة الاستئناف فيما يتعلق بأحكام التحكيم عند
الإدعاء ببطلانها أو المطالبة بتنفيذها":*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▪️
من المقرر فقهاً وقضاءً أن محكمة الاستئناف فيما يتعلق بأحكام التحكيم عند
الإدعاء ببطلانها يقتصر دورها على الرقابة القانونية على مدى تحقق حالات بطلان
التحكيم المحصورة في المادة (53) تحكيم، فتكون محكمة الاستئناف في هذا الشأن
محكمة قانون، فلا يحق لها أن تفصل في أية طلبات أو تعدل منطوق حكم التحكيم،
فمحكمة الاستئناف عند نظرها لدعوى البطلان يقتصر دورها على رفض دعوى بطلان حكم
التحكيم ومن ثم يكون حكم التحكيم صحيحا أو قبول دعوى البطلان وتبعاً
لذلك يكون حكم التحكيم باطلا.
اما بالنسبة لطلبات تنفيذ حكم التحكيم فإن محكمة الاستئناف مقيدة بتنفيذ ما ورد
في منطوق حكم التحكيم بإعتباره الذي يحدد الحق المحكوم به الجائز تنفيذه ، فلا
تملك محكمة الاستئناف عند المطالبة بتنفيذ حكم التحكيم ان تفصل في إجراءات
خلافية بين الخصوم لم يحسمها حكم التحكيم المطلوب تنفيذه، ولذلك قضى الحكم محل
تعليقنا بأن الإجراءات الخلافية بين الخصوم المحتكمين التي لم يفصل فيها حكم
التحكيم يجوز التحكيم فيها مرة أخرى بإعتبارها إجراءات تحكيمية وليست إجراءات
تنفيذية، حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، وعلى هذا الأساس فإنه يتعذر على
محكمة الاستئناف تنفيذ حكم التحكيم قبل الفصل في الإجراءات الخلافية مثل فرز
وتعيين نصيب الشريك من عدة أراضي تختلف اماكنها واثمانها.
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️
"الوجه الثالث: جواز التحكيم في الإجراءات الخلافية التي لم يفصل فيها حكم
التحكيم":*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▪️
في حالات كثيرة يحتاج تنفيذ حكم التحكيم إلى الفصل في إجراءات تتصل بتنفيذ حكم
التحكيم مثل تحديد الأرض المطلوب التنفيذ عليها من بين أراضي عدة وتحديد الثمن
المستحق المحكوم به من غير تحديد مقداره، حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، وقد
قضى الحكم محل تعليقنا بجواز التحكيم في الإجراءات الخلافية بين أطراف حكم
التحكيم بإعتبارها إجراءات تحكيمية وليست إجراءات تنفيذية، وباعتبار ان حكم
التحكيم السابق الذي تم التحكيم على إجراءات تنفيذه كان محل قبول بين
الخصوم وقد صار نهائيا لمضي المدة المقررة لتقديم الدعوى ببطلانه ، ولأن قانون
التحكيم قد نص على أنه يحق لطرفي التحكيم أن يتفقا على الإجراءات التي يتعين
على لجنة التحكيم اتباعها حسبما هو مقرر في المادة (32) تحكيم.
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️
"الوجه الرابع: خصوصية منازعة التنفيذ التحكيمية"
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▪️
وفقاً لأحكام التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات فإن منازعة التنفيذ لا
تتعلق بأصل الحق المحكوم فيه أو بصحة الحكم السند التنفيذي، وإن منازعة التنفيذ
يتم رفعها أمام رئيس المحكمة الابتدائية بإعتباره قاضي التنفيذ.
اما بالنسبة لتنفيذ حكم التحكيم فإن الإختصاص بتنفيذه ينعقد لمحكمة الاستئناف
التي سبق القول بأنها تكون محكمة قانون بالنسبة لأحكام التحكيم تتولى التحقق من
توفر حالات بطلان حكم التحكيم المدعى بها، وأنه لا يجوز لمحكمة الاستئناف عند
نظرها في دعوى البطلان أن تفصل في طلبات جديدة أو تقضي بتعديل حكم التحكيم
لأنها محكمة قانون وليست محكمة موضوع كما هو الحال عند الطعن بالاستئناف، وعلى
هذا الأساس فإن لتنفيذ حكم التحكيم من قبل محكمة الاستئناف خصوصيته ومنها: أنه
يجب أن يكون حكم التحكيم صالحاً للتنفيذ من غير اللجوء إلى إتخاذ إجراءات محل
خلاف ونزاع بين أطراف حكم التحكيم.
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️
الوجه الخامس: إجراءات تنفيذ حكم التحكيم التي لا يجوز التحكيم فيها:*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▪️
من المقرر قانوناً أنه يجوز لأطراف حكم التحكيم الإتفاق على تنفيذ حكم التحكيم
إختيارا ، وعندئذٍ يكون هذا الإتفاق تنفيذاً إختيارياً لحكم التحكيم إذا تم
الإتفاق على تنفيذ حكم التحكيم كما هو مذكور في منطوقه، وإذا تم الإتفاق على
تعديل أو إسقاط بعض بنود حكم التحكيم، فإن ذلك يكون صلحاً لأنه قد تضمن
الإسقاط، بيد أنه لا يجوز لأطراف حكم التحكيم الإتفاق على التحكيم في إجراءات
التنفيذ الجبري لحكم التحكيم، لأن ذلك من إختصاص محكمة الإستئناف أو من تنيبه
لذلك، ولأن التنفيذ الجبري من اسمه يتضمن وسائل جبرية تستدعي الإستعانة بقوة
السلطة العامة، والله اعلم.
منقول
الكاتب القانوني عادل الكردسي للاستشارات القانونية والاستفسارات في مسائل قانونية
جنائية ومدنية مسائل في القانون اليمني 777543350 واتس اب 770479679 واتس آب رابط
موقعنا على الواتس آب
رابط موقعنا على الفيس بوك
"إجراءات تنفيذ حكم التحكيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق