الأحد، 29 مايو 2022

قاعدة قضائية تسوية وضع العامل في القطاع الخاص لايختص بة القضاء اليمني


أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

➖➖➖➖➖


▪️المقصود بتسوية وضع العامل هو معالجة وضعه في الشركة التي يعمل بها من حيث ترقيته والدرجة التى يستحقها العامل في سلم الدرجات في الشركة التي يعمل بها، ففي هذا الشأن قضى الحكم محل تعليقنا بأن تسوية وضع العامل لا يختص بنظرها القضاء، لان ذلك من مقتضيات السلطة التقديرية لإدارة الشركة التي يعمل لديها العامل، لان التسوية الإدارية للعامل وترقيته الى وظيفة معينة تخضع لإعتبارات وتقديرات السلطة الإدارية في الشركة التي يعمل لديها العامل حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-4-2018م في الطعن رقم (59507)، الذي ورد ضمن أسبابه أنه: ((لما كان الطعن قد أستوفى شروط قبوله شكلاً وفقاً لقرار دائرة فحص الطعون فقد وجب النظر في أسباب الطعن موضوعاً، والهيئة بعد دراسة الأوراق التي اشتمل عليها ملف القضية وجدت أن القضاء في الحكم المطعون فيه لا تطمئن إليه النفس وخصوصاً ان الشعبة لم تدرك ما تركه القانون لرب العمل ومنع اللجنة التحكيمية من النظر فيه، وذلك فيما قضت به بلزوم تسوية درجة العامل المحكوم له، كون الأمر ذو طبيعة إدارية لا ولاية للجنة التحكيمية في نظره، وان كان لها الولاية في جبر الضرر الحاصل بشأنه)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

➖➖➖➖➖

▪️الوجه الأول: الإعتبارات الإدارية والإعتبارات القانونية لترقية العامل:

➖➖➖➖➖


▪️كان غالب الجدل في الحكم محل تعليقنا بشأن مدى أحقية القضاء في الحكم بترقية العامل إلى الوظيفة الأعلى، وهل ذلك يخضع لسلطة القضاء التقديرية في ضوء الشروط القانونية للترقية ام ان ذلك يخضع للسلطة التقديرية لإدارة الشركة التي يتبعها العامل المدعى، حيث قضى قرار اللجنة العمالية والحكم الاستئنافي بأحقية العامل في الترقية إلى رئيس قسم.....، وسند قرار اللجنة العمالية والحكم الاستئنافي فيما قضيا به انه ينبغي مساواة العامل المدعي بأمثاله من عمال الشركة المساوين له في الموهلات  والخبرة وسنوات الخدمة لاسيما أنه قد توفرت فيه شروط الترقية كالمدة، في حين ذهب حكم المحكمة العليا محل تعليقنا إلى تغليب الإعتبارات الإدارية للسلطة الإدارية في الشركة التي يعمل بها العامل، فادارة الشركة هي التي تختار فريق الأدارة التي تراه جديراً بتحقيق أهدافها وخططها وطموحها وسياساتها وبرامجها، فللسلطة الإدارية في الشركة السلطة التقديرية في ترقية من تراه جديراً لذلك، لان الإعتبارات الإدارية غالبة على الإعتبارات القانونية فيما يتعلق بالتعيين في الوظائف أو الترقية اليها ، فقد تتحقق في العامل الشروط القانونية للترقية كالمؤهل والخبرة وسنوات الخدمة، ولكن الاعتبارات الإدارية لشغل الوظيفة قد لاتتحقق فيه مثل قوة الشخصية وروح المبادرة وتحمل المسؤلية والقدرة على اتخاذ القرار وغيرها من الإعتبارات الإدارية لشغل الوظيفة أو الدرجة الأعلى، فتحقق الشروط القانونية كالمؤهل وسنوات الخدمة والخبرة لا يعني بالضرورة تحقق الإعتبارات الإدارية في العامل، لان الإعتبارات الإدارية لا تستطيع تقديرها إلا سلطة الإدارة في الشركة التي يعمل بها العامل مثل قوة الشخصية والأمانة والنزاهة والولاء الوظيفي وروح المبادرة وروح القيادة، فهذه الإعتبارات الإدارية تكون هي الغالبة والراجحة في تعيين العامل أو ترقيته، وتكون السلطة الإدارية المختصة هي الأجدر في تقديرها إَضافة إلى الإعتبارات الإدارية التي ترجع إلى جهة الإدارة مثل تقديرها لدور العامل ومساهمته في الوظيفة المطلوب ترقيته اليها ، ودوره في تحقيق أهداف وخطط وبرامج وسياسات الشركة وطموحاتها وتطلعاتها، فهذه الإعتبارات تخضع للسلطة التقديرية للإدارة، وليس للسلطة التقديرية للقضاء حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وما قضى به الحكم محل تعليقنا إجتهاد سديد يوافق ما ذهب إليه القضاء الإداري والفقه الإداري في غالبية الدول الذي يذهب إلى ان مسائل التعيين في الوظائف أو الترقية للوظائف يخضع لسلطان الإدارة وليس لسلطان القضاء، وقد قضت الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في اليمن في حكم سبق لنا التعليق عليه بأنه لا يجوز الحكم بإعادة العامل إلى عمله حيث يقتصر سلطان القضاء على الحكم للعامل بالتعويض في هذه الحالة.

➖➖➖➖➖

▪️الوجه الثاني: سلطة القضاء في الحكم بالتعويض للعامل المضرور من عدم ترقيته:

➖➖➖➖➖


▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأنه لا يحق للقضاء ان يحكم بترقية العامل غير أنه يحق له ان يحكم للعامل بالتعويض إذا طلب العامل ذلك وثبت للقضاء خطأ إدارة الشركة وتعسفها وامتناعها عن ترقية العامل مع تحقق الشروط القانونية والإدارية في العامل حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا، لان القضاء يستطيع قياس عناصر التعويض والحكم بموجبها بخلاف طلب الترقية.

➖➖➖➖➖

▪️الوجه الثالث: إشكالية الحق في الترقية والمساواة بين العمال والموظفين في هذا الحق:

➖➖➖➖➖


▪️لا شك ان الترقية حق للعامل أو الموظف، وهذا الحق مكفول في الدستور وقانون العمل والوظيفة العامة، ولكن الإشكالية تكمن في ان قانون الخدمة المدنية (الوظيفة العامة) وكذا الأنظمة الإدارية في غالبية الشركات الخاصة باليمن تشترط للترقية وجود وظيفة شاغرة كي يترقى الموظف أو العامل إليها مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ، وهذه الفلسفة الإدارية اعتنقتها الإدارة اليمنية بصورة مخالفة لمبادئ العدالة والمساواة منذ (1988) وهو تاريخ صدور قانون الخدمة المدنية الذي اشترط لترقية الموظف إلى الدرجة الأعلى وجود وظيفة شاغرة (رئيس قسم /مدير إدارة /مدير عام.. الخ) ، وبعد ذلك اقتفت أنظمة الشؤون الإدارية والموارد البشرية في الشركات الخاصة نظام الترقية المقرر بقانون الخدمة المدنية حيث يظل غالبية العمال والموظفين بغير ترقية حتى تشغر الوظيفة المراد الترقية إليها، ولذلك يشعر غالبية الموظفين والعمال بالظلم والسخط من عدم ترقيتهم أسوة بزملائهم ورسوبهم في درجاتهم لمدد طويلة جداً، ولذلك فإن النظام الوظيفي العادل هو نظام الدرجات الذي يعطي الموظف أو العامل الدرجة المستحقة دون اعتبار لشغر الوظيفة الأعلى مثل القضاة واساتذة الجامعة والسلك العسكري والدبلوماسي حيث ينال  الواحد من هولاء درجته وهو يشغل الوظيفة ذاتها دون حاجة إلى اشتراط شغر الوظيفة، وقد كان هذا النظام بالنسبة لموظفي الدولة والشركات الخاصة متبع  في اليمن قبل صدور قانون الخدمة المدنية عام 1988م الذي أوجد هذه الإشكاليات، والله اعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق